للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تغلبت كفة البقاء، ومن ثمة تولدت فكرة استعمارها (تعميرها) باعتبارها نموذجا من الأرض الصالحة لإقامة التجارب النموذجية التي يدعون إليها (١). وكان عدد من قادة الجيش الفرنسي من المنتمين إلى الحركة السانسيمونية، كما كان عدد من المدنيين والصحفيين والنواب. وكانت الجزائر تمثل في نظرهم (المجتمع البدائي) الذي يمكن إجراء التجارب الناجحة عليه. لقد جربوا حظهم في مصر في البعثة التي قادها أونفتان Enfentain سنة ١٨٣٣. ولكنهم فشلوا، فالجزائر إذن تمثل منتهى طموحهم لوجود الجيش والإدارة ووسائل الإعلام الأوروبية من جهة، والمجتمع الأهلي المؤهل لإجراء التجارب عليه من جهة أخرى. وفوق ذلك كله كانت ملكية الأرض في الجزائر من الأساس جماعية (شيوعية)، فهي ملك للقبيلة والعرش والجماعة وليست للفرد. وفيها أيضا نظام إقطاعي - ارستقراطي صالح لتطبيق التجربة.

وهكذا دخل السانسيمونيون ميدان النشاط في الجزائر وعلى جميع المستويات. وكان أونفنتان هو أب هذا النشاط، وهم حقا يسمونه (الأب). وقد أثروا بالخصوص أثناء سنوات ١٨٥٠ - ١٨٧٠، فهم الذين كانوا وراء المشاريع الاقتصادية الكبرى في الجزائر. وقد تأثر بهم نابليون الثالث الذي كان أيضا سانسيمونيا مثلهم، وكان مشتركا في جريدتهم المسماة (الورشة). ومن كتابهم في الجزائر توماس أوربان والدكتور وارنييه، رغم الاختلاف الكبير بهما ..

جاء أونفنتان إلى الجزائر سنة ١٨٤٣، وبعد ذلك أصدر كتابا بعنوان (استعمار الجزائر). وقد وضع فيه خطة لتطبيق المشروع السانسيموني، واعتبره البعض كتابا جيدا وضع فيه المؤلف أسس نظام جديد للاستعمار في الجزائر. لقد جاء الكتاب على أثر تجربة المارشال بوجو فيما سمي


(١) نشير بذلك إلى ما يسميه المؤرخون الفرنسيون (فترة التردد) وهي عندهم من ١٨٣٠? ١٨٣٤، وخلالها كانت الحكومة الفرنسية لم تقرر سياستها نحو الجزائر، ولكن توصيات اللجنة الإفريقية كانت صريحة في ضرورة المحافظة على الجزائر واستعمارها.

<<  <  ج: ص:  >  >>