والجهل لهما ولمواطنيهم، ولذلك اجتمع الاثنان على الثورة ضد الاستعمار ولكن طريقتهما في ذلك كانت مختلفة، فكان ديب يخاطب العقل والضمير الإنساني ويستعمل طريقة الإيحاء بينما استعمل ياسين العاطفة المشبوبة ولغة الشعر والرمز والأسطورة، وقد حافظ كل منهما على مكانته في المدرسة الأدبية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي.
ولد ياسين في السمندو القريبة من مدينة قسنطينة سنة ١٩٢٩، وبعد الدراسة في هذه المدينة شارك مبكرا في النضال السياسي وعانى من أحداث الثامن مايو، وبدأ نشاطه الأدبي كزميله بالشعر أيضا، وقد نشر في البداية عملا نثريا عن حياة الأمير عبد القادر عبر فيه عن ميوله الوطنية والأدبية المبكرة، ثم نشرت له تمثيلية بعنوان (الجثة المطوقة) أو المحاصرة، ولكنه لم يلفت نظر النقاد والرأي العام الأدبي إلا بروايته الغريبة (نجمة) التي نشرت في فرنسا سنة ١٩٥٦، فقد اعتبرها النقاد أحسن شاهد على ميلاد الجزائر الجديدة التي كانت تخوض معركة التحرر، ويبدو أن ثقافة ياسين اللغوية كانت محدودة، ولذلك قيل إن محمد ديب هو الذي قرأ نص نجمة وهو الذي صحح لغته المتوترة قبل أن يرى النور في شكل رواية، ومهما كان الأمر فإن النقاد اعتبروا كاتب ياسين عندئذ أحسن من يمثل أدباء شمال إفريقيا من غير الأوروبيين، وكان قد سبقه إلى هذه الشهرة محمد ديب، ومولود معمري، ومولود فرعون ومالك حداد، لقد فهم النقاد أن (نجمة) الهاربة أبدا هي بطلة الرواية الخيالية، وهي تمثل الجزائر المكافحة نفسها كما تصورها ياسين، فهي ابنة امرأة فرنسية وأب جزائري مجهول.
ولنا أن نفهم من هذه الشخصية الغريبة التي اختارها ياسين بطلة لروايته أن ياسين قد تصور الجزائر على غير حقيقتها، فهي ليست امرأة فرنسية إلا إذا اعتبرنا ما كان يشاع من باب التهكم السياسي والدعابة الاجتماعية أن الجزائر (ابنة فرنسا)، وأن مدينة الجزائر هي (باريس الضغرى،) وهل نعتبر إذن الاستعمار هو أبو الجزائر؟ من هنا يظهر أن تصور ياسين للجزائر - إذا صح أنه