للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديب قد تحقق الكثير منها بعد الاستقلال، وقد ثنى على رأيه لويس عوض مستشهدا بحركة التاريخ، ذلك أن محمد ديب وأصحابه يعترفون أن أدبهم هو أدب معركة وأدب إقليمي يتعرض لأوضاع لها ما يبررها في زمن معين من أجل إثارة الضمير الإنساني، لكن كتاب الجزائر بالفرنسية - في رأيه - لن يستمروا على هذا المنوال، بل سيصبحون كتابا تهيم أرواحهم بدون جسد تسكته، أي كتابا عالميين بحكم اللغة التي يكتبون بها (١).

والحقيقة أنه لم يستمر في الكتابة بعد الاستقلال إلا محمد ديب وكاتب ياسين وآسيا جبار، ولكن جيلا جديدا من الكتاب بالفرنسية أخذ في الظهور بعد ١٩٦٢ أيضا، فإلى أي حد اقتحموا مواقع الأدب العالمي؟ وإلى أي حد ساهموا في ترتيب البيت الداخلي؟ الواقع أنهم وقعوا في حيرة أكبر من التي كانوا فيها بحكم ارتباطهم بالعالمية، فقد ازداد بعضهم بعدا عن شعبهم، وحاول آخرون الاقتراب منه عن طريق العيش داخله كما فعل كاتب ياسين حين استعمل اللغة الدارجة كوسيلة اتصال.

وعلى ذكر الجيل الجديد من الكتاب نشير إلى أن محمد ديب قال عبارة حيرت بعض النقاد، وهي (نحن الجيل الأخير) أي هو وزملاؤه من كتاب اللغة الفرنسية، أما لويس عوض فقد علق على هذه المقولة بأن صاحبها متشائم لأنه يعبر ربما عن موقف أناني، وقال إن هؤلاء الكتاب لن يكونوا الجيل الأخير إلا إذا عزلوا أنفسهم عن بيئتهم وقوميتهم واقتلعوا بأيديهم جذورهم، وفروا من معركة الحياة الجديدة، بعد أن صمدوا ضد أخطر عدو للحياة وهو الاستعمار.

والحق أن دراسة مصير جيل محمد ديب تفيد الكثير هنا، فهم قد اضطربوا ووهنت قواهم بعد استقلال بلادهم، وبدلوا آراءهم أو عزلوا أنفسهم عن مجتمعهم، فقد أحس بعضهم أن دوره قد انتهى بعد أن أطلق آخر صيحة.


(١) لويس عوض، مرجع سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>