للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بدون شك إلى ندرة المصادر وقلة الباحثين المتخصصين في هذا الموضوع (١). كما يعود ذلك إلى كون حركة ابن باديس قد اهتمت بالناشئة الجزائرية تربيها على حب التراث العربي والإسلامي وتبث فيها أفكار الحرية والوطنية. ولم يكد خريجو هذه الحركة يصلون إلى مرحلة الدراسات العليا حتى قامت الثورة فطغت الأحداث على التفكير وتقدمت السياسة على الثقافة.

ولو كان هذا الكتاب كتابا سياسيا لبسطها فيه الحديث عن الموقف من الوجود التركي والعثماني في الجزائر. ومع ذلك فإننا أتينا فيه بما يكفي في نظرنا لإلقاء الضوء على الحياة الثقافية. والحق أن معظم الكتاب الجزائريين أثناء هذا العهد كانوا يصفون الحكام العثمانيين بأنهم (أتراك) و (أعاجم) ذلك أن هؤلاء الحكام كانوا دائما من خارج الجزائر، وكان أغلبهم لا يتكلم إلا التركية، وكانوا من أصول مختلفة (تركية ويونانية وألبانية وإيطالية الخ). ولذلك كانوا ينعتون أيضا (بالأعلاج) (٢). وكانوا في معظم الأحيان جهلة لا يعرفون حتى القراءة والكتابة، كما كانوا مغامرين لا فائدة لهم من الحكم إلا جمع المال والتسلط، ثم إنهم كانوا يحكمون الجزائريين بيد من حديد


(١) يجب أن نستثني جهود المرحومين الشيخ محمد مبارك الميلي والشيخ أحمد توفيق المدني.
(٢) بجب أن تفرق بين الأتراك الأقحاح الذين اعتنقوا الإسلام عن عقيدة وساهموا في حماية الحضارة العربية الإسلامية منذ عهد المعتصم العباسي وبين (المتتركين) الذين اعتنقوا الإسلام كوسيلة للوصول إلى السلطة وجمع المال والذين كانوا مغامرين وجهلة ومتمردين حتى على السلطان. ومن سوء الحظ أن حكام الجزائر خلال العهد العثماني كانوا من الأعلاج المتتركين في أغلب الأحيان. فعانى منهم الشعب الجزائري كثيرا كما أثبتت ذلك الوثائق. غير أن المنتصرين للعثمانيين في الجزائر يعتبرون هؤلاء الحكام أتراكا مسلمين وكفى، وكأنه يكفي المرء أن يكون مسلما كي يرتكب ما يشاء. أما المعارضون فيظلمون الأتراك الحقيقيين بجعل حكام الجزائر ممثلين لهم في كل شيء. وكلا الفريقين في نظري على خطأ. فهذه القضية إذن ما تزال في حاجة إلى الدرس والتوضيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>