للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على دراسة كتب التصوف وعلوم أهل الباطن حتى أصبح له فيها اليد الطولى. وكذلك كان موسى بن علي اللالتي، ناظم قصيدة (حزب العارفين)، يقرئ تلاميذه في تلمسان كتب الصوفية ويحدثهم عن أخبار أهل التصوف وأحوالهم (١). وقد جاء في رحلة الورتلاني أنه كان يكثر من دراسة أهل التصوف مستندا على مقالة الإمام مالك بن أنس من أن الصوفي الذي لا يتعلم الفقه يعتبر زنديقا وأن عالم أصول الدين الذي لم يدرس التصوف يعتبر فاسقا (٢). وسنلاحظ في دراستنا لإنتاج هذا العهد في الجزء الثاني كثرة التآليف والأشعار المخصصة لعلم التصوف حتى كادت تطغى على جميع الإنتاج الآخر.

كذلك كثرت المقارنات بين أهل التصوف في القديم وأهل التصوف المعاصرين، فبالإضافة إلى مقالة السنوسي السابقة نسب إلى أحمد بن يوسف الملياني أنه قارن بين عصره وعصر عبد القادر الجيلاني، قائلا ان الجيلاني كان في القرن السادس والزمن غير فاسد وأهله فضلاء، بينما هو (الملياني) كان يعيش في القرن العاشر المليء بالفساد وانحطاط الأخلاق (٣). وروي عن الملياني أيضا أنه تناقض مع محمد بن علي الخروبي الطرابلسي المتصوف أيضا فقال له هذا (أهنت الحكمة في تلقينك الأسماء للعامة حتى النساء) فرد عليه الملياني بقوله: (قد دعونا الخلق إلى الله فأبوا فقنعنا منهم بأن نشغل جارحة من جوارحهم بالذكر). وقد لاحظ الخروبي بأن الملياني كان على صواب في ذلك، قائلا: (فوجدته أوسع مني دائرة) (٤).

وبعد أن روى الفكون عن الغزالي ما قاله عن انحراف متصوفة زمانه وسرد خصالهم الخارجة عن دائرة التصوف الحقيقي، قال: أهذا في زمنه،


(١) انظر دراستي عن كتاب (كعبة الطائفين) في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).
(٢) محمد الحاج صادق (عبر شمال إفريقية من خلال رحلة الورثلاني)، ٣٢٠.
(٣) بودان (المجلة الإفريقية)، ١٩٢٥.
(٤) الناصري (الاستقصا) ٥/ ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>