للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف بزمننا؟). وهكذا نجد أن بعض الدارسين قد شعروا بتردي الأحوال الصوفية وضعف الأخلاق بالمقارنة إلى الأزمنة الغابرة. ولا نكاد نجد من (الثوار) الذين رفعوا صوتهم ضد انحراف التصوف عن جادته الحقيقية إلا بعض الأصوات. وكان أقواها بدون ريب هو صوت عبد الكريم الفكون. فهو الذي انتقد متصوفة عصره بشدة ورمى معظمهم بالزندقة واتخاذ التصوف ذريعة للوصول إلى الدنيا واستغلال عقول العامة.

ففي مقدمة (منشور الهداية) أوضح الفكون دواعي تأليفه فقال إنها انتشار البدع وسيادة الجاهل وكساد العلم وانحراف أهل الطرق الصوفية عن التصوف الحقيقي وتحالف هؤلاء مع الظلمة واللصوص والولاة الفاسدين. وقد اعتبر الفكون هؤلاء جميعا أنصارا (لحزب الشيطان)، وقام هو للدفاع عن (حزب الله) والجهاد في سبيله بكشف فسادهم وانحرافهم. ولطول المقدمة فإننا نورد منها بعض المقتطفات للدلالة على ما وصلت إليه حالة التصوف في عهده (القرن الحادي عشر - ١٨ م). ولنشر هنا إلى أن الفكون كان هو نفسه متصوفا ولكنه من متصوفة السلف، كما سنشير إلى ذلك في موضعه. ومما جاء في هذه المقدمة. (أما بعد، فلما رأيت الزمان بأهله تعثر، وسفائن النجات (كذا) من أمواج البدع تتكسر، وسحائب الجهل قد أظلمت، وأسواق العلم قد كسدت، فصار الجاهل رئيسا، والعالم في منزلة يدعى من أجلها خسيسا، وصاحب أهل الطريقة قد أصبح وأعلام الزندقة على رأسه لائحة، وروائح السلب والطرد من المولى عليه فائحة، إلا أنهم، أعني الطائفتين، تمسكوا من دنياهم بمناصب شرعية، وحالات كانت قدما للسادة الصوفية، فموهوا على العامة بأسماء ذهبت مسمياتها، وأوصاف تلاشت أهلها منذ زمان وأعصارها، ولبسوا، بانتحالهم لها، على أهل العصر أنهم من أهلها. وربما صارت الطائفة البدعية مقطعا للحقوق، وقسما يقسم بهم في البر والعقوق. والطائفة الأخرى سطرت أناملهم في قراطيس السجلات ما يوهم من لم يرهم ممن يأتي في غابر الزمن أنهم من حزب العلماء، بل ومن مشائخهم الأعلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>