وقد أحس بعض الفرنسيين بالخطأ الذي ارتكبته بلادهم - في حق نفسها - بإلغائها وظيفة شيخ الإسلام، لأنه كان بإمكانه أن يفيدها في العالم الإسلامي، وأن يكون صاحب سلطة مركزية لأهل الدين في الجزائر، ومن خلاله كان يمكن لفرنسا أن تحصل على الفتاوى والآراء التي تحتاجها، كما كان يفعل حكام الدولة العثمانية ومصر والمغرب الخ، إذ كان لهؤلاء مرجع في الشؤون الدينية، وأما في الجزائر فليس للديانة مرجع أو رأس منذ الاحتلال، فكل إمام أو مفتي أصبح مستقلا في وظيفته في مسجده ولا يخضع إلا للسلطة الإدارية الفرنسية التي يقع مقر إقامته فيها، ومن رأى بعض الفرنسيين أيضا أنه لو حافظت فرنسا منذ البداية على منصب شيخ الإسلام لما تطورت الحياة الدينية في الجزائر على النحو الذي تطورت به، من ظهور حركة الجهاد بقيادة الأشراف ورجال الطرق الصوفية والمرابطين، بطريقة فوضوية، ولو فعلت فرنسا ذلك لاستطاعت أيضا أن تعزل مسلمي الجزائر عن إخوانهم مسلمي المشرق، لأن صاحب منصب شيخ الإسلام، سيكون في نظر هذا الفرنسي، من صنيعة فرنسا وتحت تصرفها، ولكان عليها أن تفعل ما فعله سلاطين المغرب الإسلامي بعد انفصالهم عن خلفاء بغداد ودمشق، وكان صاحب هذه الفكرة قد طرح اسم شيخ الطريقة التجانية (سنة ١٨٨٤) كمرشح لهذا المنصب الأداة (١). ولكنه مع ذلك رأى أن الزمن قد فعل فعله وأن الفكرة قد تكون خيالية.
اكتفى الفرنسيون بالإبقاء على منصب (المفتي). وفي المدن الرئيسية أبقوا على مفتي للمذهب المالكي وآخر للمذهب الحنفي، وكان المفتي يمثل اللقب الأكثر رفعة واحتراما نظريا، وهو في نظر المسلمين العالم الذي يجمع بين العلم وسعة الأفق والتدوين والمعرفة العميقة بالعلوم الإسلامية والعلوم
(١) انظر فصل الطرق الصوفية، الطريقة التجانية، والرأي طرحه الضابط لويس رين صاحب كتاب (مرابطون وإخوان).