العربية، بالإضافة إلى التوازن في الرأي والأخلاق الكاملة والنزاهة، ومن للجزائر بذلك الرجل في العهد الفرنسي؟ إن المفتي في نظر الفرنسيين هو مجرد (رجل ديانة) ويحمل لقب المفتي شرفيا فقط، وهو لقب أعطته له فرنسا التي تختاره عادة من بين الأئمة البارزين، ويقول السيد لويس رين: إن لقب المفتي في البلاد الإسلامية يتجاوز لقب القاضي، ولكنه في الجزائر مجرد لقب شرفي.
وللمفتي دائرة تصرف محددة، فهو الذي يشرف على الأئمة في دائرته أو مدينته، وهو (رئيس الديانة) كما يقولون، وليس للمفتي يد على الإمام الواقع خارج المدينة أو الدائرة المحددة له، فالإمام هنا يصبح مستقلا تماما عن المفتي، ولا وجود لسلالم إدارية بينهما، لا دينيا ولا إداريا، وكل من المفتي والإمام تختاره السلطات الفرنسية مبدئيا من بين المتعلمين ومن بين الشخصيات التي انحازت للقضية الفرنسية، كما يقول رين (١).
وما دام المفتون مرتبطين بالقضية الفرنسية فإنهم كانوا ناعمين في مواقفهم من القضية الوطنية والدينية، وكانوا، كما قال خوجة، قد فقدوا الجرأة والغيرة الدينية مع الأيام، فلم يكونوا ليرفضوا للفرنسيين طلبا أو يواجهوهم برأي، وتصفهم بعض المصادر بأنهم كانوا أكثر من مدجنين، لقد كان فيهم حتى المتفرنسون جدا، على حد تعبير رين، وكانوا يعرفون أنفسهم أنهم تحت رحمة الإدارة الفرنسية، هي التي توظفهم وتدفع إليهم الأجور، ولم يعد حالهم كحال أجدادهم يعيشون من مصادر الأوقاف بعيدين عن سلطة الحكام، ولذلك وصفوا (بالشجاعة) أيضا، لأنهم في موالاتهم للفرنسيين كانوا يغضبون مواطنيهم ويثيرون الشكوك من حولهم، وكان هؤلاء (الشجعان) المتفرنسون جدا، يستضيفون، سيما في المدن الساحلية، الشخصيات الفرنسية وعائلاتهم لحضور الحفلات الاجتماعية والمواسم
(١) لويس رين (مرابطون وإخوان). مرجع سابق، ص ٩. وكذلك لويس فينيون (فرنسا في شمال إفريقية). ص ٢٤٦.