هكذا ذهب الصادق هجرس وهو يحلل تطور الوضع الثقافي داخل التجربة الاستعمارية وبالخصوص منذ حرب التحرير، ولكن الأمر لم يبق كما كان سابقا، ذلك أن التطور شمل مسألة اللغة أيضا، وبناء على رأي هذا المناضل الشيوعي فإن هناك مشكلا لغويا من نوع آخر في الجزائر، وهو تعدد استعمال المجال اللغوي، فهناك أطفال لا يتكلمون سوى القبائلية في عائلاتهم، يعبرون بالعربية عندما يخرجون للشارع، ويتعلمون الفرنسية في المدارس، وبعضهم نشر الجرائد بالعربية الفصحى لسان حال منظمات وطنية، والوثائق الرسمية للحكومة المؤقتة كانت بهذه اللغة، ثم إن العربية الدارجة هي في الغالب المستعملة في المسرح والإذاعة رغم أن الفرنسية هي اللغة العلمية التي تربط الجزائريين بالثقافة العالمية.
هذا هو الوضع اللغوي في الجزائر كما صوره الصادق هجرس في الخمسينات، وكان عليه أن يضيف أن اللهجات العربية الدارجة ليست واحدة، كما أن اللهجات البربرية ليست واحدة، وأن الفصحى العصرية هي الوسيلة الوحيدة للحديث الراقي والأدب الرسمي المدون الذي ستفيد منه الأجيال، وهي لغة الكتب والجرائد والخطب والوثائق الرسمية، وأن الفرنسية ليست سوى وسيلة للاتصال بالخارخ على مستوى معين ولكنها ليست اللغة العالمية الوحيدة، كما أن وسائل الاتصال الحديثة جعلت العربية لا تقل أهمية كأداة اتصال عن الفرنسية.
إن التناقض اللغوي الذي كان عليه الوضع في الجزائر أثناء الثورة قد خلقه الاستعمار وتعكسه اجتماعات جيش التحرير على مستوى القيادات العليا، فهذه الاجتماعات كانت تجري بالفرنسية بينما الرتب العسكرية وبعض المصطلحات التقنية كانت بالعربية الفصحى وكذلك كانت الاجتماعات على مستوى القيادات الولائية وما دونها بالعربية الفصحى أو الدارجة، وربما كانت تجري ببعض اللهجات المحلية أيضا، أما المداولات والتعاليق السياسية والمناقشات مع القاعدة فقد كانت تجري بالعربية الدارجة، أو بالقبائلية أو غيرهما، وأحيانا