للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله) (١). إن موقف المغيلي من سلاطين العصر إذن هو موقف الناقد الناقم والناصح المرشد، وليس موقف الطامع في مال أو الباحث عن لقمة أو جاه.

أما معاصره محمد بن عبد الرحمن الحوضي فقد كان تقريبا على عكس ذلك. كان شاعرا ينشد المال والجاه والحظوة في بلاط السلطان، لا ينبه إلى الخطر الداهم، بل ينشد رضى مليكه بقطع النظر عما يحدث في المملكة من مظالم وفوضى وحروب وأهوال. فلنستمع إليه يمدح سيده السلطان أبا عبد الله الزياني أيضا.

أصبح المزن من عطائك يحكي ... يوم الاثنين للأنام عطاء

كيف يدعى لك الغمام شبيها ... ولقد فقته سنا وسناء

أنت تعطي إذا تقصر مالا ... وهو يعطي إذا تطول ماء (٢)

وعلى غرار ذلك سار ابن القنفذ في (الفارسية) التي أهداها إلى السلطان الحفصي ومحمد التنسي في (نظم الدر) الذي قدمه إلى السلطان الزياني أيضا.

ولكن علماء الجزائر لم يكونوا يشكون من ظلم الحكام فقط بل كانوا يشكون من ظلم الناس أيضا. فقد اشتهر الجزائريون منذ القديم بأنهم لا يقيمون وزنا لعلمائهم ولا يعترفون لهم بحرمة أو عهد، وهي ظاهرة كانت أقسى على هؤلاء العلماء من ظلم الحكام وظلم العصر. بل لعلها هي التي اجبرت عددا كبيرا منهم، كما سنرى، على الهجرة والعيش خارج الجزائر. وقد لاحظ محمد السنوسي ذلك فقارن بين عناية أهل المشرق وأهل المغرب بعلمائهم، ووجد أن المشارقة أكثر رعاية لعلمائهم من أهل المغرب، وخاصة أهل الجزائر. فقد نقل عنه إنه قال إن أهل المغرب (خصوصا أهل بلادنا) أقل عناية بمشائخهم (ولهذا لا يجد أكثرنا اعتناء بمشائخنا ولا يحسن الأدب


(١) محمد بن عبد الكريم المغيلي (كتاب الإمارة) مخطوط رقم ك ١٣٦٩ بالخزانة العامة بالرباط وهو في ١٣ صفحة.
(٢) أحمد المقري (نفح الطيب) ٥/ ٣٧٢، ط. مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>