منتصف القرن التاسع اشتهر أحد علماء بجاية بالتطيب أيضا وهو أبو الفضل محمد المشدالي. فقد درس الطب عن محمد بن علي بن فشوش في تلمسان، كما درس على غيره حتى أصبح من المشار إليهم في هذا العلم. ولكنه كان يكره أن يشتهر بالطب. ولعل ذلك يدل على أن هذه المهنة لم تكن تشرف الممتهنين لها في وقته، وإلا لكثر المدعون لها والمنتسبون إليها، كما كثر مدعو التصوف والمنتسبون إلى الفقه ونحوه. وقد يفسر لنا هذا ضعف الإنتاج العلمي في الجزائر خلال القرن التاسع. فالعلوم التي كانت تشرف أهلها هي علوم الفقه والتوحيد والتصوف والحديث. ومهما يكن الأمر فإن المشدالي قد أصبح في مهنة الطب (واحد عصره وفريد دهره)، على حد تعبير أحدهم، في المشرق. وكان الناس يلجأون إليه طلبا للدواء (١). ومع ذلك لا نعرف أن المشدالي قد ترك تأليفا في الطب.
٣ - ومحمد بن يوسف السنوسي، الذي عرف بالزهد والتخصص في العقائد، أبى إلا أن يسهم في علم الطب أيضا. ولكن السنوسي لم يخرج في تناوله الطب عن اختصاصه. فقد ربط بين الطب والدين، بل إن موضوع الطب الذي عالجه هو مجموعة من الأحاديث الشريفة. والذي يهمنا بالدرجة الأولى أن السنوسي لم يكن يكره أن يشتهر بالطب كما كره ذلك المشدالي المعاصر له. فقد مدح علم الطب واعتبره شطر العلم معتمدا في ذلك على الحديث الشريف (العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان). وقد فهم السنوسي بالعلم الأخير علم الطب، ولذلك ألف فيه رسالة صغيرة اعتمد فيها على شرح مجموعة من الأحاديث النبوية مثل (المعدة بيت الداء). كما شرح
(١) الجيلالي ١/ ٢٥٨ وقد توفي المشدالي في الشام سنة ٨٦٦ وحياته جديرة بدراسة منفردة. فقد درس علوما شتى وسافر كثيرا وعرف من الحياة حلوها ومرها وصاحب ذوي السلطان والحظوة ومارس وظائف متعددة وجادل في مسائل عديدة حتى غير المسلمين. انظر حياته في رسالة أبي عصيدة المسماة (رسالة الغريب إلى الحبيب) التي تحدثنا عنها في قسم الأدب وكذلك رحلة عبد الباسط بن خليل. والظاهر من كلام عبد الباسط أن وفاة المشدالي كانت بالقاهرة.