للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي نتناولها. وقد ظهر المدرسون المتطوعون، وهم الذين كانوا يقومون بالتدريس للعامة بعد أخذ رخصة إدارية من السلطات المحلية، ولكنهم لا يأخذون أجرا على ذلك. ومنذ عهد الحاكم جونار تغاضت السلطات عن هذا النشاط. فاغتنمه بعض المدرسين أصحاب الضمائر الحية الذين وجدوا في ذلك فرصة لنشر العلم بالمفهوم التقليدي العام. وفي هؤلاء من كان عالما بفنون اللغة والفقه، وفيهم المتوسط. ولكن حماسهم وغيرتهم جعلتهم منافسين للمدرسين الرسميين أصحاب الأجور والتسميات. ولعل الناس كانوا يقبلون على المتطوعين أكثر مما يقبلون على الرسميين لارتباطات هؤلاء، في نظرهم، بالإدارة المستعمرة.

وقبل أن نتحدث عن المدرسين المتطوعين أو الأحرار الذين ظهروا بالخصوص مع الحركة الإصلاحية، نذكر أن هناك مدرسين كانوا يجمعون بين التدريس ووظائف أخرى كالقضاء، ومنهم من عمر المسجد كموظف رسمي. ونعني بذلك المناطق الصحراوية بالخصوص. وكان الجنوب عامرا بالزوايا لم ينقطع منها العلم والعلماء، كما لاحظ ذلك بعض الرحالة مثل الشيخ محمد بيرم الخامس في القرن الماضي. وكانوا يقصدون الأماكن البعيدة لتحصيله، مثل تونس بالنسبة للجنوب الشرقي والمغرب الأقصى بالنسبة للجنوب الغربي. وكان بعضهم يصل حتى إلى مصر والحجاز.

وفي الفترة التي نتحدث عنها كان الشيخ محمد بن يوسف أطفيش علما كبيرا في ناحية ميزاب (١). ومن جيله نجد الشيخ الحاج علي بن القيم المولود بقمار، سنة ١٨٤٠. فهو بعد أن درس فيها وفي الزاوية العزوزية/ الرحمانية بنفطة، أدى فريضة الحج وجاور فترة بمكة، ثم رجع إلى مسقط رأسه، وتطوع للتدريس هناك، وكان درسه للعامة ولبعض الطلبة الذين لهم إلمام بالمعارف ويريدون المزيد. وكان الشيخ علي بن القيم (٢) يتنقل بين جهات القطر الجزائري أيضا، وينسخ الكتب، ولعله كان يعيش من هذه الصنعة، فكان


(١) انظر عنه لاحقا.
(٢) انظر عنه فصل المنشآت الثقافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>