نتناول في هذا الفصل نقطتين هامتين هما التعليم في الزوايا والتعليم في المدارس الحرة. وبعد الحديث عن الزوايا التعليمية عموما ودورها خلال العهد الذي ندرسه نفصل الحديث عن الزوايا حسب الجهات، وقد ركزنا على جهتين: منطقة زواوة ومنطقة الجنوب. وهذا ليس حسب مخطط اتخذناه لأنفسنا ولكنه نتيجة البحث الذي قمنا به. فقد اختفت بالتدرج الزوايا التعليمية في المدن الرئيسية. وحلت محلها المدارس الفرنسية والمدارس الرسمية الثلاث، وكذلك حل فيها رجال الدين (الديانة) الرسميين كموظفين في المساجد التي تشرف عليها الإدارة، وكان بعضهم يلقي دروسا في الفقه والتوحيد للعامة، وهي دروس جامدة وفارغة من أي محتوى سياسي أو اجتماعي. ومن جهة أخرى عانت الزوايا في المدن من اغتصاب الأوقاف كما ستعرف في فصل المعالم الإسلامية، فاستولى الفرنسيون على بناياتها وحولوها عن أغراضها وهدموا أغلبها.
وهكذا لم تبق إلا زوايا الريف، وبالخصوص في زواوة والجنوب، كما ذكرنا. والمعروف أن الاحتلال قد بدأ بالمدن وانتهى بهذه الأماكن النائية، فلم يقع احتلال زواوة والجنوب إلا في الخمسينات من القرن الماضي. صحيح أن الاستيلاء على الأوقاف قد وقع في هذه الأماكن أيضا، كما أن بعضها قد هدم نتيجة ثورات لاحقة (مثلا ١٨٧١). ولكن بعض الزوايا عرفت كيف تواصل مسيرتها رغم التضييق عليها ماليا وتربويا حتى أصبحت محاصرة. كما أن بعض الزوايا التعليمية قد ولدت في العهد الاستعماري نفسه مثل زاوية الهامل وزاوية عميش.
أما النقطة الثانية فهي المدارس الحرة. ونعني بها الانطلاقة التي بدأت بمعهد بني يسقن في ميزاب على عهد الشيخ أطفيش والتي تقمصتها مدرسة