لخص بعضهم نسبة الزوايا فقال أنها قد تنسب إلى مكان معين أو إلى مرابط أو إلى طريقة صوفية (١).
وفي الفترة التي ندرسها عرفت الجزائر المرحتلين الأخيرتين من تطور الزاوية: فهي إما مركز لأحد مشاهير المرابطين مثل الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي والشيخ محمد الموسوم، وفي هذه الحالة كانت الزاوية مركزا للتعليم والعبادة، وإما مركز للحضرة والزردات وممارسات البدع، مثل زوايا بعض شيوخ العيساوية والحنصالية والعمارية. ويهمنا في هذه الفقرة النوع الذي اهتم بالتعليم والعبادة. وقد صدق من عرف الزاوية بأنها مؤسسة شاملة، فهي مسجد للعبادة ومدرسة للتعليم، وملجأ للهاربين، ومأوى للغرباء، ومركز للفقراء.
ومن جهة أخرى قلنا أن هناك فرقا بين تطور الزاوية في المدن وتطورها في الأرياف أو البادية. ففي المدن فقدت الزوايا تأثيرها بعد الاحتلال لوضع المحتلين أيديهم على المصادر المالية كالأوقاف، وهدم العديد من الزوايا وتعطيل غيرها بالبيع والاستغلال كجعلها ثكنة أو مخزنا. وقد ذكرنا في فصل المعالم الإسلامية نماذج للزوايا التي آل أمرها إلى الهدم والتحويل عن المقصود. ومن ذلك زاوية القشاش، وزاوية الجامع الكبير، وزاوية الشرفة، وزاوية الأندلس، الخ. وهي زوايا كانت للتعليم وإقامة الطلبة الغرباء والعلماء، وكانت تضم الكتب لفائدة المتعلمين.
أما زوايا الأرياف والبادية فقد عرفت عدة مراحل في العهد الذي ندرسه. كانت في المرحلة الأولى قد عادت إلى تاريخها القديم، رباطات للجهاد وتجنيد المجاهدين ضد العدو. وكان ذلك في عدة نواح من الوطن، سيما الناحية الغربية، إلى حوالي ١٨٥٠. ثم قامت زوايا أخرى بنفس الدور في الجنوب وفي زواوة خلال الخمسينات والسبعينات. وفي
(١) حول تعريف الزاوية بشيء من التفصيل انظر ديبون وكوبولاني (الطرق الدينية الإسلامية)، الجزائر ١٨٩٧، ص ٢٠٦.