وأثناء ذلك كان يقع نوع من سوق عكاظ الأدبي، فيتناظر المدرسون، ويتبارى الشعراء، ويتناقش الأدباء والفقهاء في المسائل العلمية والنظرية، ويتبادلون المعلومات عن الكتب ونحوها. وهناك أيضا زيارات إلى شيخ الزاوية في الأعياد يقوم بها الطلبة والأتباع. وخلال الثلاثينات من هذا القرن ابتدأت زاوية ابن أبي داود تقليدا جديدا لتنشيط العلم، وهو إرسال بعثات طلابية إلى البلدان العربية لمتابعة دراستهم التي لا يجدونها في بلادهم. وهو تقليد مارسه الجزائريون قديما، ونشط فيه بنو ميزاب ثم حركة ابن باديس.
وتتغذى الزاوية من الأملاك التي لها (أوقاف) في كل من آقبو وتاسلنت، وبالإضافة إلى ذلك يخرج المسؤولون عنها كل سنة في مواسم معينة - أوآخر الصيف وأوائل الخريف - إلى المناطق المخصصة لهم ليجمعوا (العشر) من أتباعهم وأنصارهم، فيذهب أحد أبناء الزاوية (أولاد ابن أبي داود) إلى بعض طلابه في بلدة ما فينزل عنده، وهناك يأتيه ما جمع له من العشور عن طريق طلبة الزاوية القدماء والأنصار، وبذلك يجمعون الحبوب والقطاني والسمن وغيرها. ويعود بما جمع إلى زاوية تاسلنت، وهو نوع من الضرائب العرفية. وقد تدوم الجولة شهرا أو أكثر، وأثناء هذه الزيارة يجري الاتصال أيضا بالأعيان وعامة الناس (١). وكان الفرنسيون يتتبعون حركات الشيوخ أو المرابطين، كما يسمونهم، ويمنعون البعض من جمع هذه الضرائب ويرخصون إلى آخرين بها، كما عرفنا في فصل الطرق الصوفية.
الزاوية السحنونية:
وتعتبر زاوية حديثة نسبيا، إذ ظهرت في العهد الفرنسي فقط. وأصل الزاوية موجود في القرية السحنونية (ايسحنونن) بالقرب من أربعاء بني ايراثن، ولاية تيزي وزو. ومؤسسها هو الشيخ عمرو الشريف. أما الفرع فيوجد في
(١) نفس المصدر. ونلاحظ أن هانوتو ولوتورنو لم يذكرا زاوية ابن أبي داود ضمن معمرات الفقه. عن الجانب المادي انظر أيضا فصلي الطرق الصوفية.