للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع الثعالبي، وهو في مقتبل العمر، كل المعارف التي أوردها أو أشار إليها في كتابه. فرغم أنه اعتمد فيه على تفسير ابن عطية فقد رجع أيضا لقريب من مائة تأليف، كما صرح هو بذلك. ومن هذه التآليف تفسير الطبري. وقد تحرى الثعالبي الحقيقة والرواية حتى أنه كان لا ينقل شيئا إلا بلفظ صاحبه خشية الوقوع في الخطأ. وهذه عبارات الثعالبي وهو يقدم تفسيره للقراء (فقد ضمنته بحمد الله، المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية وزدته فوائد جمة من غيره من كتب الأيمة، وثقاة أعلام هذه الأمة، حسبما رأيته أو رويته عن الاثبات، وذلك قريب من مائة تأليف. وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين ومعدود في المحققين. وكل من نقلت عنه من المفسرين شيئا فمن تأليفه نقلت وعلى لفظ صاحبه عولت، ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع في الزلل) (١).

وهناك ناحية أخرى مهمة في (الجواهر الحسان) وهي كشفه عن تصوف الثعالبي المبكر. فرغم أنه كان ما يزال في ريعان الشباب، كما أشرنا، فإن الكتاب قد تضمن رؤى صوفية ومواعظ لا تخرج عن هذا الميدان. فقد روى الثعالبي في آخر الجزء الثاني أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدة مرات أثناء اشتغاله بالكتاب، وأنه آكله وزار بيت كتبه ودعا له، كما أخبر أن بعض أصحابه (الثعالبي) قد أخبروء أنهم رأوا بعض الصحابة. ونحو ذلك من المرايا التي قلنا إنها شاعت في ذلك الوقت. وقد نصح الثعالبي بعد ذلك بقراءة تفسيره والعمل به لكي تحصل به البركة لمن قرأه. وأخبر أن كتابه قد أصبح معروفا ومقروءا بكثرة في حياته (٢) وأنه يحتوي على أسرار صوفية لا يدركها إلا أربابها، أهل الذوق الصوفي. واعتبر حديثه على تفسيره بهذه الصفة من باب التحدث بالنعمة. وهذه هي عبارته في ذلك (إني رأيت لكتابي هذا المسمى


(١) مخطوط المكتبة الوطنية بباريس، رقم ٤٦٠ في جزئين، وهو من أقدم النسخ وأجودها.
(٢) أخبر الرحالة عبد الباسط بن خليل أنه درس قليلا منه على الثعالبي وأن هذا قد أجازه. نشر تفسير الثعالبي أوائل هذا القرن، كما أعيد نشره بعد الاستقلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>