والمنيعة وتمنراست وجانت. وأصبح الجنوب هو تلك المساحات الشاسعة من الصحراء التي تشمل الهقار وسكانه الملثمين. ونحن سنطلق كلمة الجنوب على كل المدن والقرى والواحات الواقعة وراء الأطلس الصحراوي والتي تمتد إلى حدود مالي والنيجر.
وهذه المنطقة من الوطن غنية بتراثها العلمي والديني، وغنية بعلمائها ومؤلفيها، وبزواياها ونظمها، وكذلك غنية بآثارها ومكتباتها، ولكن البحث في ذلك ما يزال ضعيفا، ولم يهتم بها إلا الأجانب، رحالة ومستكشفين، وحكاما ودارسين، ومبشرين وجواسيس وتجارا. وقد اشتهر بعضها بالدين والتصوف مثل عين ماضي وتماسين وقمار وعميش والقنادسة والهامل وطولقة والرويسات والبيض. واشتهر بعضها بالكتب والعلم مثل تمنطيط وتوات وميزاب. وعرف عن بعضها الاهتمام بالتجارة والمغامرات وخبرة الطرق مثل غرداية ومتليلي وسوف والمنيعة وعين صالح. كما اشتهرت تقرت بأنها عاصمة سلطنة بني جلاب التي انقرضت، والهقار بآثار الطاسيلي التي ترجع إلى مئات السنين وبأبجدية التماشق. ومن منا قد درس أو تخصص في هذه الظواهر الحضارية للجنوب الغني والمتسع عبر مئات الأميال؟.
إن اهتمامنا هنا سينصب فقط على ظاهرة الزوايا التعليمية وليس على الزوايا مطلقا. وقد تعرضنا في فصل الطرق الصوفية إلى دور الزاوية الديني والروحي والاجتماعي. وذكرنا هناك أن تعليم القرآن كان ظاهرة اشتركت فيها معظم الزوايا حتى تلك التي لا تتخذ من التعليم وسيلة للعيش أو التقرب إلى الله زلفى. أما الزاوية كمدرسة لنشر العلم بالمفهوم التقليدي فقد كان عددها قليلا نسبيا. ويمكن أن نقول أنها لا تتجاوز العشرة. وهناك مدرسون لم يؤسسوا زوايا وإنما اتخذوا التعليم وسيلة وقربة إلى الله، في منازلهم ومساجدهم، مثل ما فعل الشيخ محمد بن علي بن شبيرة وأخوه أحمد في بوسعادة (١). وما فعل الشيخ محمد بن عبد القادر من نفس
(١) توفيا في حدود ١٢٧٠ هـ وقد نفتهما السلطات الفرنسية إلى تونس لمشاركتهما في ثورة الزعاطشة.