ولم يكن الشيخ أحمد بن محمد الموسوم، الذي خلف أباه على رأس الزاوية في المستوى الذي تتطلبه المرحلة، مرحلة الثمانينات من القرن الماضي وعهد الظلام الدامس الذي أشرنا إليه. فتوارى تأثير الوالد والولد، وخبا نور الزاوية العلمي، وصفق الفرنسيون على أشلائها قائلين مع الاسكندر جولي: لا تخافوا منها ومن الطرق الصوفية عموما والزوايا، لأن مصيرها جميعا إلى التحلل والاندثار، شأن كل كائن حي في هذا الوجود.
ومن زوايا التعليم بالمسيلة الزاوية التي أنشاها محمد بن عبد الله الديلمي، وهي رحمانية. وصاحبها هو الحاج محمد بن عبد الله بن عبد القادر بن أبي زيان بن مبارك بن الموهوب. وقد يكون نسبه متصلا بالشيخ محمد بن عزوز الديلمي المسيلي الذي ذكره صاحب (البستان). وهم يقولون أنهم من الأشراف. ولد محمد بن عبد الله في المسيلة، سنة ١٢٦٤ ونشأ بها ودرس على والده، ثم رحل إلى بجاية لطلب العلم فأخذ بها عن الشيخ السعيد الحريزي. ولكن بجاية كانت عندئذ قليلة العلماء فليست هي بجاية الحماديين وإنما هي بجاية الفرنسيين، وكان العلم ما يزال خاما في منطقة زواوة فتوجه محمد بن عبد الله إلى زاوية الشيخ اليلولي ثم إلى زاوية أحمد بن يحيى. ومن زواوة (القبائل) قصد قسنطينة حيث كانت شهرة الشيخ المجاوي فجلس إليه أيضا. كما نال إجازة من الشيخ الحداد في الطريقة الرحمانية وأخذ التصوف على الشيخ عمارة بن أبي الديار، متصوف جبل الناظور.
وسيرا على نفس التقليد، أحس الشيخ محمد بن عبد الله أنه الآن قادر على فتح زاوية ونشر العلم فيها. فذلك غاية ما توصل إليه علمه واجتهاده، وغاية ما تسمح به ظروف الحياة والسلطات الفرنسية. فهو لا يرغب في خدمة الفرنسيين، وكانت الأبواب الأخرى كلها مغلقة في وجهه. وبعد سنوات من التعليم، أدى فريضة الحج مرتين. وجاور بالحرمين، وأخذ عن بعض العلماء هناك، وطالع كتب التصوف، ولا سيما إحياء علوم الدين والمنقذ من الضلال