للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى. وهذا ما دعا ضابطا مشهورا في إدارة الشؤون الأهلية وفي شؤون النهضة الإسلامية، وهو لوشاتلييه Le Chatelier، إلى القول بصراحة: إن ما سمي بحملة نشر التعليم الابتدائي في الجزائر إنما جاء تحت ضغط (قوة الأشياء)، لأنه لا يمكننا ترك (ستعمرتنا (الجزائر) معزولة عن العالم) (١). وهو الصوت الذي ردده لوري بوليو، ولويس فينيون L.Vignon، كما سنرى. أن هولندا قد أخذت تغير من سياستها نحو أندونيسيا في نفس الوقت، وكذلك بريطانيا في الهند. وكانت حركة الجامعة الإسلامية الفكرية قد تدعمت سياسيا بتأييد السلطان عبد الحميد الثاني لمبدإ العثمنة وتجديد الخلافة. ثم كان الخوف من تلاقي أفكار الطرق الصوفية في الجزائر والعالم الإسلامي. فكان موقف فرنسا من تعليم الجزائريين إنما هو استجابة لهذا الضغط الدولي أو قوة الأشياء والظروف، كما سماها لوشاتلييه.

لقد احتلت فرنسا الجزائر بقوة السلاح، وهيمنت على مقدراتها وفرضت سيادتها. وأعلنت أنها صاحبة رسالة حضارية وأنها بهذا العنوان تتحمل مسؤولية (التنوير) والتحرير والتقدم. وكان مدنيوها وعسكريوها ورجال دينها ومستوطنوها يرددون هذا الشعار آناء الليل وأطراف النهار، حتى أن الذي يقرأ كلامهم ولا يرى واقعهم يحكم أن الجزائر في العهد الفرنسي كانت جنة الدنيا وأن أهلها قد تحضروا وبلغوا القمة في التقدم والتحرر والتنور. فلنتذكر هذه الأقاويل والشنشنات عندما نصطدم بالأرقام المذهلة لعدد السكان وعدد المدارس وعدد الأطفال الذين يترددون عليها. ولنتذكرها عندما نعلم عدد الأميين في الجزائر في فاتح هذا القرن ثم عند استقلال الجزائر ١٩٦٢. إن بعض الكتاب الفرنسيين أمثال


(١) لوشاتلييه، مجلة العالم الإسلامي (R.M.M)، ١٩١٠، ص ٨٠، وهنا وهناك. وكان لوشاتلييه هو الذي يدير هذه المجلة القوية عندئذ. وهو مؤلف كتاب (الطرق الصوفية في الحجاز)، وقد تولى وظيفة رئيس المكتب العربي (العسكري) في ورقلة. وهو عارف بتيارات الحركة الإسلامية. وقد أصبح أستاذا لعلم الاجتماع الإسلامي في الكوليج دي فرانس.

<<  <  ج: ص:  >  >>