للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدارس، كما سنرى، من ضحايا هذه السياسة. ومع ذلك يتهم التقرير الرسمي الجزائريين بأنهم كانوا متعصبين وخرافيين لأنهم رفضوا الترحيب بالفرنسيين.

يقول التقرير إن التعليم الإسلامي (أي تعليم الجزائريين) من بين المسائل الملحة التي تنتظر إيجاد حل لأهمية مستقبلها على الاحتلال والاستعمار. لكن الحرب منعت الحكومة من إيجاد حل لقضايا المجتمع الإسلامي ومنها التعليم العمومي. ويرى أصحاب التقرير أنه بقدر ما يسرع الفرنسيون في إيجاد حل لهذا الموضوع بقدر ما يضمنون وضع جيل تحت طاعتهم، وهو جيل سيكون مغايرا للجيل السابق، خاليا من التعصب والخرافة. لقد كان على الحكومة انتظار اليوم الذي تهدأ فيه الأوضاع لكي تعالج مشروع التعليم، لأنه يحتاج إلى كثير من الصبر والمهارة، نظرا إلى الحكم المسبق لدى الأهالي وإلى التعصب الإسلامي (١). واضح إذن أنه بعد القضاء على المقاومة، أو بعبارة أخرى بعد عشرين سنة من الاحتلال ظن الفرنسيون أن الوقت كاف لهزيمة الجيل الذي عاصر الاحتلال وحان وقت كسب جيل جديد يخضع لهم عن طريق المدرسة والتأثير المعنوي، كما يقولون. فالهدف ليس خدمة المجتمع الإسلامي عن طريق ترك أهله يتعلمون من ميزانية الدولة المحتلة أو تركهم يعلمون أنفسهم من ميزانية أوقافهم، وإنما الهدف هو إنشاء جيل خاضع وتابع لفرنسا يحل محل الجيل الذي قاومها وانهزم. فهل كان ذلك صحيحا حقا؟ لو كان صحيحا لرأينا تقدما كبيرا في مجال التعليم الفرنسي بالجزائر، ولرأينا جيلا متعلما في إطار الرسالة الحضارية التي أعلنت عنها فرنسا. ولكن ذلك كان بعيدا جدا، فقد أطفئت الشموع من حول الجزائريين، كما قال الكسيس دي طوكفيل A.de Tocqueville سنة ١٨٤٨ (٢)، فلا هم بالتعليم العربي - الإسلامي الأصلي ولا هم بالتعليم الفرنسي، لماذا إذن؟


(١) السجل (طابلو)، ١٨٥١ - ١٨٥٢، ص ١٩٨.
(٢) انظر لاحقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>