للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر قد حسم في العقود الأولى لصالح الرأي الثاني. إن تعليم الجزائريين (الأهالي) لم يكن واردا البتة عندئذ، كما عرفنا. وكان الفرنسيون منشغلين بالقضاء على المقاومة الشديدة، ومن جملة أسلحتهم في ذلك تعلم اللغة العربية، الفصيحة والدارجة، عملا بالأثر: من تعلم لغة قوم أمن شرهم (١). ظهر هذا التعليم الموجه للفرنسيين في شكل حلقات أو (كراسي) اللغة العربية أولا في العاصمة منذ ١٨٣٢ ثم منذ ١٨٤٦ في قسنطينة ووهران أيضا. وكانت البداية على يد جوني فرون ثم تولاه برينييه، منذ ١٨٣٦، كما سبق. وقد ظل هذا يؤدي عمله في العاصمة، مدرسا ومؤلفا وموجها إلى وفاته سنة ١٨٦٩. وكثيرا ما كانت الدروس تكشف في أول الموسم الدراسي. ثم تتقلص تدريجيا، حسب الظروف وطريقة الأستاذ في التعليم والوظائف المتاحة والقوانين الملزمة. والمعروف أن معظم المستعربين من الجنود ومن الموظفين المدنيين ورؤساء المكاتب العربية والمترجمين الفرنسيين قد مروا بالحلقات. ومن هذه الحلقات أيضا انطلق الاستشراق الفرنسي قبل ميلاد مدرسة الآداب (كلية الآداب) في الجزائر. لقد كانت الإدارة تشجع على معرفة اللغة العربية للفرنسيين لا حبا فيها أو تقديرا لها، ولكن باعتبارها لغة وظيفية وأداة للحكم والسيطرة ومعرفة أفكار وتاريخ الجزائريين وما يدور بينهم في الأسواق والزوايا والبيوت، وما في كتب الفقه والأدب من نصوص وقوانين وقيم. وكانوا يقولون إن اللغة العربية صعبة، ومع ذلك لا بد منها، خصوصا عندما ارتبطت بها الترقيات الإدارية والوظائف الرسمية. فكانت العربية المكتوبة أو الشفوية شرطا لازما. كما أن معرفة الفرنسية للعاملين الجزائريين في المصالح الفرنسية لازمة (٢). وكانت في باريس مدرسة اللغات الشرقية التي يحضرها الفرنسيون المترشحون للعمل في الجزائر. ولكن المقارنين لاحظوا أن الحضور في حلقات الجزائر كان أكثر كثافة من حضور


(١) وفي وقت لاحق تعلم الفرنسيون اللغة البربرية أيضا لأسباب سياسية وعلمية. انظر فصل الاستشراق.
(٢) السجل (طابلو)، ١٨٣٨، ج ٢، ٢٥١ - ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>