العربية منذ الابتدائي حتى يحضر التلاميذ لتلقيها في الدروس العالية على يد الأساتذة في الكراسي أو الحلقات. ذلك أن أكبر مشكل كان يعانيه الأساتذة هو أن التلاميذ الذين يتقدمون إليهم لا يعرفون أوليات العربية. وهكذا اضطر الأساتذة إلى التعليم على مستويات ثلاثة: ابتدائي باللغة العامية، ومتوسط يعلمون فيه النحو وقراءة القرآن، وعالي يعلمون فيه تراجم المؤلفين ومختلف أنواع الكتابة. وكل مستوى انخفض إلى ساعتين في الأسبوع فقط. ولو كانت العربية تدرس في الابتدائي لاختلف الوضع. ولذلك طالب مفتش التعليم بالجزائر بتدريس العربية في الابتدائي والثانوي قائلا إنها بالنسبة للكولون أولى من الإيطالية والإسبانية لقلة استعمالهما، بينما العربية هم في حاجة إليها مع الأهالي. وإذا تخلص أساتذة الحلقات من مستوى الابتدائي في اللغة العربية فإنهم سيتفرغون حقا إلى المستوى العالي ويأتون بنتائج طيبة. وعلى المدارس الابتدائية والمتوسطات (الكوليجات) أو تنشر اللغة العربية العامية حتى تساعد على اختلاط الأطفال الفرنسيين والجزائريين ويتفرغ أساتذة الحلقات لتعليم الفصحى (١). ولم يهتم صاحب التقرير طبعا بما سيستفيده الطفل (الأهلي) من تعلم العامية التي يعرفها منذ الرضاعة.
ويرى ناقد آخر أن تدريس اللغة العربية كان ينظر إليه، من جانب الإدارة، على أنه وسيلة للتوغل السياسي وليس لنشر الثقافة الفكرية، بالإضافة إلى أنها فقط وسيلة اتصال مع الأهالي والعلاقات التجارية. وقد ساعد على ذلك أيضا أن مؤلفي الكتب المدرسية كانوا يكرسون هذا المفهوم في عقول تلاميذهم وفي الجمهور. فهم يؤلفون كتبا في النحو وغيره للتطبيق العملي على اللهجة المحلية، دون الإحساس بضرورة الارتفاع إلى معالجة المنهج وتقديم النماذج المحللة على تجاربهم مع النصوص. ويقول هذا الناقد، إن الإدارة والمؤلفين معا قد نسوا أن ذكريات حضارة الشعب إنما
(١) كور، ص ٤٢، ٥٩ - ٦٢. وتقرير المفتش المذكور مقدم في عهد الحاكم العام شأنزي (تولى سنة ١٨٧٣). وهو منشور في إحصاءات سنوات ١٨٧٢ - ١٨٧٥. أي أن نقد التجربة جاء في أوائل عهد الجمهورية الثالثة.