للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاحتلال (١)، عندما صادروا أملاك الأوقاف، ثم أرادوا حمل الجزائريين على إرسال أولادهم إلى المدرسة الفرنسية المحض ليخلقوا جيلا جديدا يبدأ في التفاهم معهم باللغة الفرنسية. ومع ذلك قالوا عن الجزائريين الذين قاطعوا هذه المدرسة انهم متعصبون. ولنستمع إلى المتصرف المدني الفرنسي سنة ١٨٣٢، وهو جنتي دي بوسيه الذي كان مسؤولا عن التعليم في الجزائر والمخطط للسياسة الفرنسية في هذا الميدان:

(من المستعجل جدا أن نمكن الأهالي من لغتنا أكثر مما هو مستعجل أن نمكن أنفسنا من لغتهم. فالعربية لن تكون مفيدة لنا إلا من جهة علاقتنا مع الإفريقيين (يقصد الجزائريين)، أما اللغة الفرنسية فهي لا تبدأ علاقتهم معنا فقط، ولكنها بالنسبة إليهم هي المفتاح الذي به يدخلون بر الأمان، فهي التي تجعلهم يعرفون كتبنا، ويتعرفون على أساتذتنا، أي يكونون على اتصال بالعلم الفرنسي. ان تعلم العربية ليس وراءه سوى اللغة لذاتها، أما تعلم الفرنسية فوراءه كل المعارف الإنسانية وكل ما أنتجه التقدم العقلي عبر السنين) (٢).

وإذا كان في هذا الكلام بعض الحق بالنسبة لمدى التقدم الذي عليه الفرنسيون والتخلف الذي عليه الجزائريون في مستوى الحضارة المادية، فإنه كلام يحمل في نفس الوقت روح التعالي والتغطرس. ولو ترك الفرنسيون للجزائريين مدارسهم ثم أنشأوا هم المدارس الفرنسية إلى جانبها وأغروا الجزائريين بإظهار الفرق بين نوعين من التعليم لكانوا في الطريق الصحيح، ولكنهم جاؤوا بروح العداء لكل ما هو عربي وما هو إسلامي، وأرادوا القضاء على حضارة كاملة وإحلال حضارة أخرى غريبة محلها بروح


(١) انظر فصل المعالم الإسلامية، وكذلك فصل التعليم العربي الإسلامي.
(٢) نقل ذلك عنه جان ميرانت في (كراسات الاحتفال المئوي)، ص ٧٥. وعنوان كتاب دي بوسيه هو (المنشآت الفرنسية في إيالة الجزائر)، ط. ١٨٣٩، وقد تولى دي بوسيه الوظيفة المذكورة في الجزائر بين ١٨٣٢ و ١٨٣٥. وعلى يديه نشأت نواة التعليم الفرنسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>