في المغرب أو المشرق. وقد وجدنا جريدة المبشر تنشر سنة ١٨٦٧ بمناسبة المجاعة المهولة التي حدثت بالجزائر كلها، الرسالة التي بعثت بها مجموعة من قدماء مدرسة الجزائر إلى مديرها الشيخ حسن بن بريهمات. وفي الرسالة بعض النقود التي تبرعوا بها لتلاميذ المدرسة المتضررين من المجاعة، وكتابين للمدير، واعتزاز بانتمائهم إلى المدرسة وبالوظائف التي أصبحوا يتولونها بعد تخرجهم منها. وكان عددهم، حسب الرسالة، ستة عشر قاضيا وعدلا وباش عدل، في دوائر المدية، والأصنام (الشلف)، ومليانة، وسور الغزلان. ومنهم محمد العنتري (بني مناصر)، ومحمد الحميسي (العطاف)، والحاج محمد طيفور (١).
ولكن ليس كل خريجي المدارس الشرعية - الفرنسية كانوا يجدون الوظائف مفتوحة أمامهم. إنها وظائف قبل كل شيء محدودة بأعيانها. وهي القضاء والديانة، ولذلك كان العدد يتحدد مسبقا. وقلما يزيد عدد التلاميذ في المدرسة عن العشرين. وقد كثر (العاطلون) بين من تخرجوا منها منذ ألغيت الوظائف القضائية الإسلامية وإحلال القضاة الفرنسيين محل القضاة المسلمين، أي منذ الخمسينات ولكن بالتدرج. ويبدو أن المستوى في المدارس كان ضعيفا جدا في اللغة وفي الفقه والأدب، ولا ندري مدى تقدم الخريجين في المواد الفرنسية، وهي المواد التي لا تفيدهم كثيرا في أداء وظيفة القضاء والديانة. وهذه رسالة بعث بها أحد الخريجين إلى مدير التعليم الفرنسي (الريكتور) يخبره أنه قرأ في مدرسة تلمسان ثلاث سنوات ونال الشهادة منها سنة ١٨٨٨ (أي بعد إصلاحها) ومع ذلك لم يجد وظيفة (والطلبة الأجنبية (أي الذين لم يدرسوا في المدرسة) يضحكوا (كذا) علي ويقولوا (كذا) لي إجازة المدرسة ليس فيها فائدة). وهو يطلب من المدير أن يدله على وظيفة شاغرة لكتابة عقود الزواج والطلاق والميلاد والوفاة بين
(١) المبشر، عدد ٢٨ مارس، ١٨٦٧. لا شك أن الوظائف المفتوحة أكثر من غيرها عندئذ هي الوظائف القضائية. أما الدينية فما تزال في أيدي فئة أخرى، سنتحدث عنها.