للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تداخلت في الأعوام الأخيرة لفظة المرابط، فأصبحت تطلق بعمومها حتى على الدراويش والشيوخ ورجال التصوف والشعوذة، وهذا الاستعمال أقرب إلى الاستعمالات السياسية منه إلى التاريخ، فكلما نقم البعض على أهل الدين أو لاحظوا بعض التخلف في التفكير قيل لفلان هذا إنه (مرابط). يعني أنه رجل دين متخلف أو خرافي، والواقع أن لفظ المرابط له معنى تاريخي وسياسي بعيد، فهو يعني المجاهد (١). لأنه أصلا جاء من كلمة (رباط). والرباطات قامت أساسا في الثغور وأماكن الخطر التي يهجم منها الأعداء، وهكذا كانت الرباطات قلاعا وحصونا لمنع الخطر الأجنبي، وكان المرابطون هم المجاهدين الذين يحمون الثغور ويتصدون للأعداء، وبعد تولي العثمانيين الدفاع على الثغور انحصر نشاط المرابطين في أعمال البر والتعليم وإصلاح ذات البين وتأمين الطرق، وقد بنوا لأنفسهم أو بنى لهم الناس زوايا، بدل الرباطات، أو تحولت الرباطات إلى زوايا ومعاهد.

إن المرابط الذي يعنينا الآن هو أيضا من رجال الدين، ولكنه ليس بالضرورة من أهل الطرق والصوفية أو له طريقة صوفية، وسنرى أنه بالنسبة لموضوعنا فإن المرابط كان خلال فترة طويلة، مستقلا عن رجال الدين الرسميين (الفقهاء والقضاة) وعن رجال الطرق الصوفية (٢). فكان ملاحظا عن بعد مستقلا في إدارة شؤونه وتفكيره، ولكن بعد توسع الاحتلال وإخضاع كل البلاد ونظمها وقادتها، ضعف استقلال المرابط ووظفت السلطات الفرنسية نفوذه وعلمه لصالحها بطريقة سنعرض إليها، وقد قال حمدان خوجة المعاصر لبداية الاحتلال: إن المرابطين في جميع أنحاء الجزائر محترمون سواء كانوا أمواتا أو أحياء، لأن مهمتهم هي إطعام الطعام للفقراء والغرباء، لإطفاء الفتن بين الناس، وتأمين الطرق للسابلة (٣). ورغم أنه لم يذكر التعليم


= ص ١٩٣، وهنا وهناك.
(١) انظر الجزء الأول من تاريخ الجزائر الثقافي.
(٢) انظر فصل السلك الديني والقضائي.
(٣) جمال قنان، نصوص سياسية، الجزائر، ١٩٩٢، ص ٥٦ نقلا عن خوجة،

<<  <  ج: ص:  >  >>