للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الشاذلية، وهي طريقة ظهرت في المغرب الأقصى في آخر القرن الثامن عشر الميلادي ثم انتشرت في الجزائر، كما ظهرت الشاذلية في طرابلس في فرع آخر يدعى المدنية، سنتناوله، أما في الجزائر فقد بقي لفظ (الشاذلية) غالبا على الفرع الذي تزعمه الشيخ محمد الموسوم، والفروع الثلاثة ترجع إلى سلسلة واحدة وهي أبو الحسن الشاذلي عن عبد السلام بن مشيش عن أبي مدين الغوث، الخ.

انتهى أبو الحسن الشاذلي إلى أن أصبحت له طريقة خاصة في التصوف والفلسفة والعلم، عن طريق ممارسة الأخلاق والفضيلة والتوحيد، وقد ذاع صيته كعالم وفيلسوف أكثر منه درويشا له كرامات وخوارق، وكثر تلاميذه في المغرب العربي والمشرق، وشيئا فشيئا أخذوا يستقلون به عن أصحاب الطرق الآخرين، ويمكن القول إن طريقة أبي الحسن الشاذلي تقوم على الرحلة الفكرية والتأمل المستمر في وحدانية الله، وعلى الهيمان في أرض الله بحثا عن التطهر والتسامي، وعلى إهمال الذات وقمعها في سبيل الله، وعلى القيام بالصلوات والواجبات الشرعية في كل وقت وفي كل الظروف وفي كل مكان، لكي يعيش المريد في وحدة دائمة مع الله، والطريقة الشاذلية لا تؤمن بالخلوة ولا بالممارسات التهريجية ولا الانتفاضات والطفرات، بل تهتم بالعلم الروحاني الذي يقود المريدين إلى العيش الدائم في ذات الله، وقد أضاف بعض الباحثين أن الشاذلية يؤمنون بإمام مختف في القاهرة، وأن مذهبهم هو المساواة، وأنهم يقفون ضد التطور الاجتماعي، ويعارضون المسيحيين، ويرفضون قبول الوظائف الإدارية (١). ولا شك أن هذا الرأي مستوحى من العلاقات الدينية - الفرنسية (الاستعمارية) التي كانت سائدة في الجزائر، أو أنه مستوحى من نموذج معين من الشاذلية، وقد قلنا إن تعاليم الشاذلية قائمة على مذهب أبي القاسم الجنيد الذي جاء به أبو مدين الغوث إلى الأندلس والمغرب العربي.


(١) قارو، مرجع سابق، ١٦٣،

<<  <  ج: ص:  >  >>