الاغتيالات كانت تطارد أحفاده، فقد ذكروا أن أحدهم اغتيل سنة ١٨٧٢، وآخر سنة ١٨٨١، وثالثا اغتيل سنة ١٨٩٥ لأسباب غير واضحة، وهم ينسبون ذلك إلى خصومه من الشرفة (الأشراف). ولعل ذلك كان بتشجيع من الفرنسيين أنفسهم لإبقاء التوتر، لأن الشيخ الملياني كان حليفا للنظام العثماني، كما عرفنا، وكان أحفاده من المقربين للدايات، حتى أن الداي الأخير (حسين باشا) كان متزوجا إحدى حفيداته، ومهما كان الأمر فإن مصطفى ولد الحاج الساحلي قد اغتيل في فيفري ١٨٧٢ وكان قايدا (حاكما) على طيوط، ثم تولى أخوه الحاج الملياني مكانه في القيادة فوقع اغتياله أيضا في ٢٩ مارس ١٨٩٥، وهذا يدل على فوضى الحكم والسلطة في العهد الفرنسي، سيما وأن ذلك واقع في عهد يسمونه عهد الهدوء والاستقرار، أما الثالث الذي اغتيل سنة ١٨٨١ فلا نعرف اسمه الآن، وكان الفرنسيون قد أخذوا، كما أشرنا، يوظفون من رجال الطرق الصوفية في القيادات والمناصب الإدارية منذ أواسط الثمانينات، ويلمح الفرنسيون إلى أن هناك علاقة بين الاغتيال الثالث وثورة بو عمامة (١٨٨١) إذ أن المعادين للفرنسيين (النصارى، كما تقول الوثيقة) قد نقموا على مرابط طيوط (من أتباع أو أحفاد الشيخ الملياني) لأنه سهل مهمة الجنرال (دي بانيير) في وقف الثورة.
وكان الفرنسيون يراقبون تحركات الطرق الصوفية عموما ولا سيما تلك التي لها علاقات مع الخارج، وقد لاحظوا أن هناك حركة مشبوهة بين درقاوية المغرب ويوسفية (١) الجزائر فراقبوها عن كثب، ووجدوا أن سي عبد القادر، مرابط طيوط قد استقبل سنة ١٨٨٠ أحد رجال الطريقة الدرقاوية، وهو محمد الشاوي، وكان ذلك بدون طلب الرخصة من السلطات الفرنسية التي تريد أن تعرف كل وسيلة للاتصالات، فاتهمت سي عبد القادر بأنه من أتباع الدرقاوية، أي أنه تابع لطريقة (أجنبيه) نتيجة رحلته إلى زاوية مدغرة التي كان يديرها سي محمد بن العربي، وعندما أحس سي عبد القادر بالتضييق عليه طلب السكن في تلمسان والابتعاد عن طيوط
(١) اليوسفية هي الطريقة المنسوبة إلى الشيخ أحمد بن يوسف الملياني،