للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد بن بلقاسم هو إنشاء الزاوية ونشر التعليم وتكوين أسرة، وفي ذلك من الجهاد ما فيه! أليس ذلك أولى من الهجرة وأنفع من التصوف السلبي القائم على الانزواء والبعد عن الناس؟ ومن يدري لعل الشيخ محمد كان ينوي ما نواه ابن باديس بعد قرن، وهو تكوين حركة تعليمية يصارع بها الجهل الذي ضربته السلطة الاستعمارية على الجزائريين أكثر من نصف قرن، وتخريج طلائع تتولى بنفسها مصير البلاد؟

كان الشيخ قد استقر بالهامل، وأخذ ينشر التعليم، وعندما كثر تلاميذه استعان ببعض المدرسين من أمثال الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي وعاشور الخنقي، وبني زاوية للعلم والطريقة الرحمانية لكي يستقبل فيها الزوار والغرباء والضيوف، ولكي يجد الطلبة سكناهم وقاعات دروسهم، وكان يتردد على زاوية أولاد جلال، وهناك أخذ عن شيخها المختار بن خليفة ورد الرحمانية (١).

وقد سلك الشيخ محمد بن بلقاسم في الهامل سلوك الشيخ علي بن عمر وابن أخيه علي بن عثمان في طولقة إزاء الثورات والمواقف السياسية، كلاهما لم يتدخل مباشرة في الموضوع، وظل على الحياد حتى عندما أعلن الشيخ الحداد من صدوق الجهاد ضد الفرنسيين سنة ١٨٧١ باسم الطريقة الرحمانية، ورغم أن الشيخ محمد بن بلقاسم كان متزوجا من ابنة محمد المقراني (٢) فإن الشيخ لم يتبعه في ثورته، وإنما استقبل المقرانيين الفارين من العدو وحماهم وعلم صغارهم، وانتشر صيته كمرابط وكثر إخوانه في زواوة والتل والصحراء وتونس (٣) حتى عدهم ديبون وكوبلاني (١٨٩٧) أكثر من ٤٣ ألفا، وهو رقم قد يكون فيه كثير من المبالغة، لأن هناك طرقا كبيرة لم تصل إلى هذا الرقم، وإليك الأرقام التي قدمها هذان المؤلفان:


(١) عن علاقة الشيخ محمد بن بلقاسم بالشيخ المختار وزاويته انظر سابقا.
(٢) أشيل روبير، مرجع سابق، (روكاي). ١٩٢٤، ص ٢٥٨ - ٢٦٢.
(٣) نشرت المبشر في عدد ٩ مايو، ١٨٩٦ أن الشيخ محمد بن أبي القاسم قد نال وسام الأكاديمية الذي تمنحه إدارة التعليم التابعة للحكومة العامة بالجزائر،

<<  <  ج: ص:  >  >>