للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكن له عاصمة سياسية واحدة. فلم تكن مثلا تلمسان الزيانية ولا قسنطينة الحفصية عاصمة للقطر كله كما أصبحت مدينة الجزائر في العهد العثماني. وكان الموقع الوسطي لمدينة الجزائر وكونها مدينة بحرية ووقوعها عند المنافذ الجبلية الطبيعية المؤدية لمختلف الاتجاهات الأخرى في الداخل وتحصيناتها الطبيعية بالجزر التي كانت أمامها وبجبل بوزريعة الذي يحميها من جهة الجنوب الغربي ووادي الحراش الذي يحميها شرقا ثم موقعها عند سهل متيجة الغني الواسع - كل ذلك قد أهلها لأن تصبح عاصمة سياسية عن جدارة يصل سلطانها بسهولة إلى الجهات الثلاث المسكونة (الشرق والغرب والجنوب).

وقد نبهنا إلى أن الفضل في اتخاذها عاصمة سياسية يعود إلى الأخوين عروج وخير الدين بربروس. ولعل ذلك منهما كان بمحض الصدفة في بادئ الأمر. فالعثمانيون قد لبوا دعوة الشيخ سليم التومي، شيخ الثعالبة الذي كانت مدينة الجزائر عاصمة لأمارته، وقد احتل الإسبان الذين كانوا الهدف الرئيسي في النزاع مع العثمانيين مواقع أمامية لمدينة الجزائر. فوضع حامية، بعد طرد الإسبان، وإقامة جهاز حكم في مدينة الجزائر عندئذ قد جعلها تدريجيا عاصمة للنشاط العثماني بأسره في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط. ومن ناحية أخرى نذكر أن مدينة الجزائر قد أصبحت بعد ذلك منطلقا للاستيلاء على تلمسان التي كانت ما تزال في أيدي الزيانيين وعلى قسنطينة التي كانت ما تزال أيضا في أيدي الحفصيين. بل جعلها منطلقا للاستيلاء على تونس ومحاولة الاستيلاء على فاس. ولم يحن منتصف القرن العاشر (١٦ م) حتى أصبحت كل الجزائر الحالية ما عدا مدينة وهران ومرساها، في قبضة العثمانيين. ومن مدينة الجزائر كان ينطلق الهجوم على أوروبا أيضا حتى أصبحت هذه المدينة في نظر الأوروبيين مركز الرعب، وقد دعوها بأسماء مختلفة مثل جلادة المسيحية وعش القرصنة وغير ذلك من الأسماء التي كانت تثير عندهم الخوف والاحترام والكراهية أيضا. وقد كانوا يخيفون أطفالهم باسم الجزائر. أما عند المسلمين فهي الجزائر المحمية

<<  <  ج: ص:  >  >>