محمد العروسي والزاوية التجانية بقمار، وأعلن الوفد (وهو نوع من السفارة) أنه جاء ليعرف شروط ومطالب وعروض الفرنسيين في نواحي الهقار، وأبدى استعداد قومه لمعاقبة الذين قتلوا البعثة الفرنسية التي كان يقودها العقيد (فلاترز). وأخبرت الصحف الفرنسية أن الوفد (التارقي) قد اندهش من الكرم الذي وجده من السلطات الفرنسية من خلال الزاوية، ومن الاهتمام بلغة الطوارق وعاداتهم من قبل الفرنسيين، والمعروف أن الذين كانوا يتولون (الربط) والترجمة هم المستشرقون الفرنسيون، أمثال (ماسكري) و (موتيلانسكي). وقد وصف (ماسكري) الحفل الذي أقيم للميعاد التارقي في قمار، والموائد والخيام ونحو ذلك، تحت إشراف المكتب العربي طبعا، وبعد الاستراحة والتعرف على الشروط والعروض من الطرفين توجه الميعاد إلى مدينة الجزائر لمقابلة الحاكم العام، كامبون، وترأس الشيخ محمد العروسي بنفسه هذا الميعاد، خلال أكتوبر ١٨٩٢، وأثناء حفل أقامه كامبون بالعاصمة خطب هذا كما خطب الشيخ محمد العروسي أيضا وقام بالترجمة عليه (موتيلانسكي). وقد جرى الحفل في قصر مصطفى باشا حيث مقر الحاكم العام، وفي وصفه للحفل قال (ماسكري) إن فرنسا وجدت دائما الولاء من الطريقة التجانية وأن الفضل في هذه المرة يرجع إلى الشيخ محمد العروسي، وكان الشيخ العروسي قد ذهب بنفسه إلى بلاد الطوارق، حسب تقرير كتبه (رولان). وأثر فيهم وجاء (العروسي) معهم إلى الجزائر، وأشاد رولان أيضا بدور العروسي الشخصي في الموضوع (١).
كان الفرنسيون يعتقدون أن نهاية بعثة فلاترز ١٨٨١ ليست ضربة للمصالح والسمعة الفرنسية فقط ولكن لدبلوماسية الطريقة التجانية أيضا، ذلك أن البعثة قد هلك فيها مقدم التجانية أيضا، ولذلك لجأ الفرنسيون إلى
(١) انظر مجلة إفريقية الفرنسية (A.F). أكتوبر، ١٨٩٢، ص ٥ - ٧. أما ديبون وكوبولاني، ص ٢٧٢، فيذكر أن أن الشيخ العروسي قد بعث أحد المخلصين له إلى الطوارق، وهو أحمد بن محمد بن بلقاسم، وحثهم على أن يأتوا إلى فرنسا كحلفاء لا كأعداء.