للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقي منه في الزوايا وبعض المساجد الريفية، ولكن الحروب والثورات أثرت أيضا على هذه المراكز، فمن أين إذن تجند فرنسا السلك الديني لملء وظائف الفتوى والتعليم والقضاء والإمامة الخ؟ لقد كونت الحكومة الفرنسية عدة لجان لدراسة الوضع منذ منتصف الأربعينات، ولكن تنفيذ توصيات اللجان لم يبدأ إلا في فاتح الخمسينات ومن ذلك التوصية بإنشاء المدارس الشرعية - الفرنسية الثلاث (١).

لم يكن أعضاء السلك الديني خلال الأربعينات والخمسينات إلا من البقايا الذين لم يموتوا أو يهاجروا بعد الاحتلال، ولنا أن نتصور أنهم كانوا ضعافا في المعلومات ومن ثمة ضعافا في شخصياتهم، وقد زاد ذلك في مرونتهم نحو السلطة الفرنسية، فالعالم القوي والمعتد بعلمه لا يرضى بالذل والمهانة لشخصه وعلمه، إلا إذا كان مخلوع الضمير، وقد حسب الفرنسيون باعتمادهم على ذلك الصنف الضعيف من العلماء أنهم يحسنون صنعا، ولكن ثبت أن ذلك كان إحدى غلطاتهم الكبيرة إذ اتجه الشعب إلى المرابطين ثم الطرق الصوفية، وأخيرا اتجه الناس إلى العلم في تونس والمغرب والمشرق، وتركوا الإدارة الفرنسية تضرب على أوتارها الخاصة.

أصبحت المدارس الشرعية - الفرنسية الثلاث إذن هي مركز التكوين للسلك الديني الذي نحن بصدده منذ ١٨٥١، وقد وضع لها الفرنسيون برنامجا على مقاس ضيق جدا، يسميه الفرنسيون تعليما إسلاميا عاليا، وما هو بالعالي أبدا، فهو تعليم متوسط في أفضل الحالات، وقسموا المواد إلى دينية ولغوية، وعهدوا بها إلى عناصر في جملتها ضعيفة، سيما مع تقدم السنين، حقا إن بعض العناصر في أول الأمر كانت مقنعة في بعض التخصصات، ومنها في الجزائر حسن بن بريهمات وفي قسنطينة المكي البوطالبي، وفي تلمسان محمد بن عبد الله الزقاي.

وعندما جدد برنامج هذه المدارس خلال السبعينات ثم التسعينات لم


(١) انظر عن هذه المدارس، فصل التعليم الفرنسي والمزدوج.

<<  <  ج: ص:  >  >>