للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحصاء: إن المنازعات بشأن العقارات لا تأتي إلا في الدرجة الثانية، أما المسائل الجنائية فهي لا تخرج عن الخمر التي تحتل نوازلها حيزا كبيرا (١)، والإفطار في رمضان، والكفر أو لعن الدين، وسوء السلوك في الأماكن الدينية، ومن التطورات التي حدثت في هذا المجال منذ الاحتلال، أن القضاة بدأوا يصدرون أحكامهم بالسجن بدل الضرب، رغم أن الضرب كان ما يزال مستعملا لأن أعراف البلاد تبيحه، ويقول المعلق على الإحصاء: إن استعمال السجن بدل الضرب يدل على التأثير الفرنسي في الجزائر (٢).

يجب أن نربط هنا بين التطور السياسي والإداري للجزائر وصدور المراسيم والإجراءات المتعلقة بالقضاء الإسلامي، ففي العشر سنوات الأولى من الاحتلال نستطيع القول إن دور المحاكم الإسلامية بقي على حاله في الجملة، رغم مرسوم ١٨٣٤ الذي كان يهدف إلى الاندماج القضائي ورغم تأثر القضاء، كغيره، بمصادرة الأوقاف وإهمال التعليم والتدخل في شأن الدين (الديانة). وابتداء من العشرية الثانية للاحتلال وأمام اشتداد المقاومة الوطنية، واتهام القضاة بالتساهل مع المواطنين، لجأت سلطة الاحتلال إلى تقليص صلاحية القضاة المسلمين بعدة مراسيم وقرارات أشرنا إليهاة وقد صدرت كلها بين ١٨٤٤ و ١٨٤٨، وتمثل السنة الأخيرة هزيمة الأمير عبد القادر واستسلام الحاج أحمد، باي قسنطينة، وقيام الجمهورية الثانية في فرنسا، وهي الجمهورية التي تراجعت عن كلمة فرنسا بالنسبة للأمير وسجنته بدل تركه يذهب إلى المشرق، وهي التي أمطرت الجزائر بقوانين وقرارات تجعلها (جزءا لا يتجزأ) من فرنسا، كما جاء في دستور هذه الجمهورية، وكان القضاء من أبرز العناصر المتأثرة بهذه التغييرات، لأهميته السياسية والدينية والأمنية، وكانت قوانين الجمهورية الثانية كلها تهدف إلى دمج الجزائر في فرنسا، بما في ذلك القضاء الإسلامي، مع ملاحظة أن هذا القضاء


(١) لا شك أن ذلك راجع إلى التأثير الفرنسي الذي سنذكره، ذلك أن الخمر والإفطار في رمضان كانا من الكبائر التي لا يمكن المجاهرة قبل الاحتلال.
(٢) السجل (طابلو)، سنة ١٨٤٦ - ١٨٤٩، ص ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>