يأتون من فرنسا، في مرحلة الشباب، متخذين الجزائر مطية فقط للصعود إلى درجات عليا في فرنسا، وكأنهم في الجزائر إنما كانوا يقضون فترة عقوبة، وكان بعضهم ينتحرون، ولا يقضون أكثر من سنة في المركز الواحد تفاديا لاغتيالهم.
وكان البرلمان الفرنسي قد ساعد أيضا على ذلك الهجوم، فقد خفض ميرانية الشريعة الإسلامية بين ١٨٧٥ - ١٨٨٥ من ٢٠٥، ٧٠٠ إلى ٩٥، ٠٠٠ فرنك، وكان الهدف من ذلك هو توفير المال لتوظيف قضاة الصلح على حساب قضاة الشريعة، وقد كتب أحدهم باسم مستعار (عبد الله) متهما القضاة بالرشوة وابتزاز المال من المتخاصمين، وكون دور العدول أصبح شكليا فقط، كما اتهمهم بالتلاعب في الأحكام وارتكاب المظالم، وكان (سوتيرا) وهو من القضاة البارزين ومن المستعربين أيضا، قد طالب إلغاء وظيفة القضاء الإسلامي بصفة كاملة (١).
ولم تخف الحملة ضد القضاة إلا خلال التسعينات، ففي هذه الفترة برزت من جديد مسألة التجنس بالجنسية الفرنسية التي طالب بها بعض النخبة، وكان الكولون يرون هذا التجنس خطرا عليهم فعارضوه، ورأوا أن القضاة في النهاية لا يشكلون خطرا، لأنهم يؤمنون ببقاء الفصل بين المسلمين والأوربيين، ويعارضون التجنس مثلهم.
ولذلك كان القضاة يعيشون وضعا غير مريح، إن قانون ٧ ابريل ١٨٨٩ قد زاد من التضييق عليهم في ممارسة صلاحياتهم الشرعية، وقد اعتبره البعض هو (الضربة القاضية) للقضاء الإسلامي، ذلك أن هذا القانون لم يترك للقضاة المسلمين سوى الحضانة والزواج والطلاق والرجعة والمواريث، على أن القضاء الفرنسي يتدخل حتى في هذه الأمور أيضا، فهو قد ترك الحرية للمتخاصمين أن يحولوا نوازلهم من القضاة المسلمين إلى قضاة الصلح
(١) كريستلو (المحاكم ..). ص ٢٢٩. وقنان (نصوص سياسية)، ص ١٧٨، والاسم المستعار (عبد الله) قد يكون لأحد الفرنسيين الحانقين على القضاة.