للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢٨٥ (١٨٦٨). وقد دفن بمليانة، بالغا من العمر تسعين سنة.

وكان الحاج حمو يتردد على العاصمة، وقد وصفه حسن بن بريهمات الذي أبنه بأنه كان حلو الفكاهة، حاضر الجواب، متضلعا في العلوم العقلية والنقلية، كثير الحفظ، وكان يحفظ مقامات الحريري، عارفا بالسير والشواهد والتواريخ، وله باع طويل في فن الإنشاء، كما كان ينظم الشعر، وله مشاركة في الموسيقى، وكان ينكر على المغالين في الدين، ويدعو إلى تعلم معارف الفرنسيين، وفي هذا النطاق أدخل ابنه (عبد الحق) إلى المدرسة العربية الفرنسية (الكوليج) بالجزائر، ووقعت له مخاصمات مع بعض أقاربه حول الأرض فأعيدت إليه عن طريق المحكمة العليا (محكمة الاستئناف الفرنسية) (١).

إن مصير محمد بن الحاج حمو الملياني لم يكن منعزلا، فقد عاشه عدد آخر من القضاة بعد أن شردوا وتبدلت بهم الحياة غير الحياة الأولى، ولكن يبدو لنا أن هذا الشيخ كان من أقوى معاصريه تكوينا وذكاء وإخلاصا، وكانت السلطة الاستعمارية تعرف من تجلب إلى خدمتها ومن ترفض، وقد اعتمدت على الكثيرين في بادئ الأمر من هذه العناصر الجيدة التي كانت مع الأمير ثم ضاقت بها السبل فرجعت تخدم أعداءها وأعداءه، وقد رأينا معاملة ديلابورت لابن الحفاف بعد رجوعه إلى العاصمة إذ قال عنه إننا نعرف أنه عدو لنا ولكن الإدارة ستستفيد من خدمته، ذلك أن هذه الإدارة تريد من ورائه كسب المؤيدين له أو الذين يثقون فيه، وكان الحاج حمو خبيرا حقا في شؤون الدين والقضاء واللغة، وكان أمثاله قليلين، سيما في فترة الخمسينات والستينات، وكثير من جيله قد انتهوا مشردين ومهاجرين ومنفيين، أما موقفه من سلب القضاء الفرنسي صلاحيات القضاء الإسلامي فقد عبر عنه في مشروعه الذي قدمه إلى السلطات الفرنسية (٢).


(١) من الكلمة التي أبنه بها حسن بن بريهمات ونشرها في المبشر، عدد ٦٢٧، ٣١ ديسمبر ١٨٦٨، وكان الحاج حمو معاصرا وصديقا لوالد حسن بن بريهمات.
(٢) انظر كريستلو الذي قال إنه قدم مشروعا في ذلك، والغالب أن ذلك كان قاضيا آخر =

<<  <  ج: ص:  >  >>