للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مليانة، وكان قد التحق بالأمير عبد القادر وشارك في المقاومة الوطنية، وكان كغيره ممن تبدلت عليهم الأحوال وعاشوا الأهوال حتى أصبح هاربا بأسرته لا يلوي على شيء، وقد صادرت السلطات الفرنسية أملاكه فأصبح بدون مأوى ولا قرار، وبعد ذلك توسط بسليمان بن صيام أحد أعيان مليانة الذين سبقوه إلى الانضمام للفرنسيين فردوا له أملاكه وعينوه قاضيا وخطيبا، وقد انصب تأبين ابن بريهمات على هذا الجانب فقط، وكان ينمق كلماته ويسجع جمله (١).

أعجب ابن بريهمات بمظاهر الحضارة الفرنسية وخالط أهلها، ولا ندري ما إذا كان قد ترك كتابا أو رسالة يحلل فيها إعجابه بذلك ويبرره على ضوء الدين الإسلامي والعادات المتفشية. إن كل ما وجدناه له هذه الكلمات التي يكتبها في مناسبات معينة، وفيها يشير إلى بعض تلك المظاهر الحضارية، سيما العلم والمنشآت، أما الحياة المادية الأخرى فلا نجد له أثرا في وصفها، وكان وجوده في القضاء وفي أعلى سلطة قضائية كالمجلس الفقهي والمجلس الشرعي يدل على احتفاظ الفرنسيين به هناك لانسجامه مع أفكارهم ولكونهم لاحظوا، كما قال كريستلو وكما لاحظ الضابط الذي اقترحه، أنه يحاول التوفيق بين الالتزامات الدينية ومتطلبات الحياة المادية التي يفرضها الفرنسيون، وقد وصفه تلاميذه وعارفوه بأنه كان يحسن التكلم باللغة الفرنسية (خطابا وجوابا)، ومدحه الحفناوي بأنه كانت (له خبرة بمجريات الأحوال) (٢). وهو يقصد بذلك السياسة وشؤون الحكم والعلاقات الاجتماعية.

ونعرف من عدة مصادر أنه أعجب بكتاب (أقوم المسالك في أحوال الممالك) لخير الدين باشا التونسي، وقد طبع هذا الكتاب أيام أن كان ابن بريهمات في أوج سمعته ونشاطه، ونشرت المبشر (أقوم المسالك) على


(١) المبشر ٣١ ديسمبر ١٨٦٨، عن ابن صيام انظر فصل الرحلات، وكذلك رسالة إبراهيم الونيسي، وعن القاضي محمد بن الحاج حمو انظر سابقا.
(٢) (تعريف الخلف). ٢/ ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>