قد أخذوا يتأقلمون في الجزائر وربما خفت حدة سخطهم على البنايات الإسلامية. فلم يعد الهدم هدفا سريعا من أهدافهم، ولكن هناك وسائل أخرى لجأوا إليها للإضرار بهذه البنايات كثيرا، ونعني بذلك مصادرة أوقافها كما هو الشأن في الأوقاف جميعا. وهذه المصادرة أدت، مع طول الزمن، إلى إهمال المساجد وخرابها، كما أدت إلى عزوف المواطنين عن تقديم التبرعات إليها أو التحبيس عليها ما دام مالهم وعقارهم سيؤول إلى الفرنسيين في النهاية. ولذلك لم تتنعش حركة بناء المساجد إلا منذ العشرينات من القرن الحالي مع ظهور الحركة الإصلاحية، وهي المساجد التي كانوا يطلقون عليها اسم (الحرة) في مقابل تلك الواقعة تحت يد إدارة الشؤون الأهلية الفرنسية.
على أن المسلمين في الجزائر لم يتوقفوا عن بناء المساجد، ولا سيما في الأرياف. وكانت السلطات الفرنسية تستولي على هذه المساجد الجديدة أيضا، كما استولت على القديمة، وكانت هي التي تعين فيها الأيمة والموظفين وتراقبهم، ولو لم تكن هي التي تدفع إليهم أجورهم، لأن المسجد كان دائما في قبضة إدارة الشؤون الأهلية حتى بعد قانون فصل لدين عن الدولة (١٩٠٧)، كما سنذكر. ولذلك فإنك إذا قرأت عن إنشاء مسجد في العهد الفرنسي فاعلم أنه بني من أموال المسلمين وليس من أموال الدولة الفرنسية. وتذهب بعض الإحصاءات إلى أن إقليم العاصمة (الوسط) كان يضم ٤٨ مسجدا سنة ١٨٥٣، منها ستة حديثة العهد (١). وهذا الرقم لا يشمل بالطبع مساجد العاصمة نفسها.
وليس لدينا إحصاء لمساجد المدن المذكورة (المدية، وشرشال، والبلدية الخ.) ولا مصائرها. وهناك إشارات إلى أن بعض المساجد قد تعرضت للتخريب أثناء الثورات، كما حدث لجامع بوزكرى في زواوة. فقد أشعل الجنود الفرنسيون النار في هذا الجامع سنة ١٨٥٧ (ثورة فاطمة نسومر)
(١) ب. بوليري B. Boulery في المجلة الشرقية والجزائرية، عدد ٣ (١٨٥٣) ٦٠ - ٦١.