للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذوقهم، كما فعلوا في بعض المدن الأخرى. ولكن هذه الحرب الطويلة في المدن وما حولها أدت إلى أضرار أخرى بالحياة الدينية والمدنية، ونعني بذلك خروج السكان من المدن كلما تبدلت الأيدي عليها. فإن مدينة مثل وهران لم يبق فيها حين دخلها الفرنسيون أكثر من خمسمائة فرد. وحين دخل كلوزيل مدينة معسكر وجدها خالية من سكانها، وكذلك حين دخل تلمسان إذ لم يجد فيها إلا عناصر كانوا غير راضين بحكم الأمير (الكراغلة) فذاقوا وبال الحكم الفرنسي بفرض كلوزيل ضريبة حرب عليهم لا قبل لهم بها.

ومدينة وهران كانت آخر عاصمة إقليمية للإدارة العثمانية. وكانت مساجدها نسبيا قليلة لأنها حديثة العهد بالحكم الإسباني أيضا (١). وبين العهدين الإسباني والفرنسي بنى المسلمون بعض المساجد. كما أن مدينة وهران عرفت منذ القديم بمساجدها العتيقة. وإذا كانت مساجدها القديمة قد عانت على يد الإسبان فإن مساجدها الحديثة قد عانت على يد الفرنسيين. ومن المساجد الحديثة جامع خنق النطاح الذي حرفه الفرنسيون إلى (كارقانطة)، وهو المسجد الذي بناه الباي محمد الكبير بعد الفتح (١٧٩٢). ويقول أوغسطين بيرك عن جامع خنق النطاح إنه ذو طابع أندلسي وله زخرفة تقليدية ولكنه منفتح على الطبيعة بشكل يثير الدهشة (٢). ولكن هذا الجامع قد تضرر بفعل الاحتلال. فقد قال عنه باللو (١٩٠٤) إنه كان خارج المدينة، وله شكل مربع وأنه كان نصف مهدم. ونسبه إلى محمد الكبير أيضا. وأخبر أن مصلحة الآثار قد (أنقذته) من أيدي الهدامين (٣).


(١) خرج منها الإسبان سنة ١٧٩٢ بعد الفتح الذي وقع على يد الباي محمد الكبير.
(٢) بيرك (كراسات الاحتفال المئوي)، ص ٩٩. ويقع المسجد في سهل يحمل نفس الاسم شرقي مدينة وهران. وقد دفن فيه بانيه الباي محمد بن عثمان. وكانت له منارة متوسطة ومنبر و ١٤ عرصة. وقد حوله الفرنسيون إلى مسكن للمهاجرين الإسبان، وظل بعيدا عن العبادة إلى الخمسينات من هذا القرن حين أعطوه إلى من أخذ يعلم فيه القرآن. (من مراسلة مع الأخ يحيى بوعزيز، مارس ١٩٩٦).
(٣) ألبير باللو (الفن الإسلامي في الجزائر) في المجلة الإفريقية، ١٩٠٤، ص ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>