وقد يفهم من الأضرحة والقباب أنها مجرد قبور لأصحابها. وهذا أيضا سوء فهم. لأن الأضرحة التي سنتحدت عنها والتي نعنيها اليوم كانت مؤسسات دينية واجتماعية ذات حجم كبير، وهي تضم حقا قبر الولي، ولكنها تضم أيضا مصلى ومساكن للوكيل والموظفين وجبانة لموتى المسلمين ومطاهر، ونحو ذلك. وسنرى أن بعض هذه الأضرحة استعملته السلطات العسكرية الفرنسية لأغراض مختلفة، ولكن اسم الزاوية واسم الضريح يختلطان أحيانا، لأن الزاوية تحتوي على الضريح والضريح يستلزم الزاوية لاستقبال وإيواء الزائرين.
وقد عرف بعضهم الضريح (القبة) بأنه بناية تضم قبر الولي (المرابط) وأحيانا قبور بعض أسرته أيضا. وقبر الولي يكون عادة مرتفعا ومغطى بتابوت خشبي عليه أقمشة مذهبة وملونة حريرية وغيرها، ومحاطا بشباك، ومعلقا عليه مصباح شرقي الصنعة، وتكون الأعلام والرايات التي ترجع إلى الطريقة التي ينتمي إليها إن كان من أصحاب الطرق، معلقة عليه أو تتدلى منه. إضافة إلى غرفة خاصة بالوكيل الذي يسهر على الضريح ويجمع الزيارات والتبرعات، ويصون القبة والضريح بالزينة والإضاءة (١) ويوفر حاجاتها.
وتعرضت الزوايا والأضرحة لما تعرضت له المساجد من الهدم والإهمال والتحويل عن مقصد الواقفين، واغتصبت السلطات الفرنسية أوقافها أيضا. وبذلك حرمت آلاف الموظفين والعلماء والفقراء من حقوقهم المشروعة، التي نصت عليها الأوقاف. وهذه البنايات الدينية كانت كثيرة وذات أحجام متنوعة ومواقع مختلفة. وقد تناولها عدد من الكتاب إحصاء ووصفا ومصيرا، بالنسبة لمدينة الجزائر. أما بالنسبة لغيرها فإن الوثائق شحيحة، ومصدرنا بالنسبة لمدينة الجزائر هو ديفوكس، وأوميرا، وروبير أساسا. وغرضنا ليس الإحصاء في حد ذاته، ولكن معرفة مصير البنايات الدينية. وسنحاول تقسيم ذلك إلى قسمين رئيسيين: الأول الزوايا المتعارف عليها أو التي ورد اسمها كذلك، ثم