للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من استعمالها في الحرب ضدها. وقد اعترف المارشال ولكن متأخرا، أن الإدارة باستيلائها على الأوقاف، مهما كانت الأسباب، إنما تحملت هي المسؤولية التي كانت تقوم بها المؤسسات المصادرة، من حفظ المداخيل وصرفها في أوجهها الشرعية. وبناء على ذلك كانت الدولة تقدم للميزانية المحلية أو البلدية، مبلغا من المال ليوزع سنويا كإعانات على قدماء العاملين، وكصدقات وإغاثات لفقراء مدينة الجزائر. إن هذا في الواقع اعتراف من المارشال بأن كل ما بقي من مداخيل الوقف - كل أنواعه - هو المبلغ الذي تجود به الدولة على الفقراء، في شكل إغاثة، رغم أن الوزير كان صريحا عندما قال إن (ما ندفعه هو دين علينا وليس تضحية منا). وهذا هو المبلغ الذي يعينه المارشال ١١٣، ٥١٠ فرنك. هذا فقط ما بقي، وهذا فقط ما كانت تقدمه الدولة الفرنسية (كتعويض) للمسلمين عما فقدوه باستيلائها على أملاكهم العقارية والدينية. ومع ذلك فلنتذكر هذا الرقم جيدا، رقم ١١٣، ٥١٠ ف. سنويا. فإنه لن يبقى كذلك، بل سينخفض أيضا، رغم ضآلته الأصلية (١).

إن من نتيجة الاحتلال أنه بعد ربع قرن أصبح معظم سكان الجزائر فقراء بطريقة منظمة ومضمونة العواقب. ففي ١٨٥٧ كانت ١,٩٨٥ عائلة مسجلة في قائمة المستحقين للصدقات في مدينة الجزائر وحدها، ولكن الذين كانوا يأخذون الصدقة فعلا لا يتجاوزون ٦٩٥ عائلة، وبمعدل فرنكين شهريا. وإلى جانب ضآلة المبلغ في حد ذاته فقد كان يمنح نقدا مما جعله يذهب في يومه وربما قبل منحه، إذ قد يكون دينا على صاحبه، فأين إذن مداخيل العقارات والأراضي والبنايات الدينية التي كانت موردا لآلاف الناس، وعشرات الوكلاء، بالإضافة إلى تنشيط العلم وإحياء الدين وصيانة مؤسساته؟

لقد اقترح المارشال على نابليون طريقة أخرى أجدى في نظره وأكثر عدلا


(١) عن تقرير المارشال فايان، انظر أوميرا، (المكتب الخيري)، المجلة الإفريقية، ١٨٩٩، ١٩٩ - ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>