للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقدمونها. ولا قرأ القارئ منهم عندئذ إلا جريدة المبشر الرسمية التي كانت تخدرهم بكلمات معسولة مثل (حنانة فرنسا) عليهم، وتكرمها بمنح وسام الشرف إلى بعض الأعيان المخلصين لفرنسا. كان الرأي العام الفرنسي في الجزائر يعيش كخلية النحل على اتصال دائم بقضاياه ينافح عنها، ويتخذ لذلك الجرائد وسيلة للصراع والإعلام، مع بعضه ومع الحكومة، أما الجزائريون فقد كانوا غائبين عن الساحة الإعلامية إلى أواخر القرن الماضي، عندما بدأت العرائض الجزائرية تشير إلى ما يحاك ضد المواطنين في الصحافة الاستعمارية (١).

وخلال عهد الامبراطورية وإلى أوائل القرن الحالي ظهرت في الجزائر صحف فرنسية عديدة ذات طابع سياسي ساخر. وهي صحف كانت تتناول القضايا الصغيرة وتفخمها بالكاريكاتور والرسومات، وأصبحت بمرور الزمن تمثل مدرسة في الثقافة الشعبية للكولون ونظرتهم إلى العالم الأهلي من حولهم. وهي ثقافة تميزت بروح التعالي والاحتقار للجزائريين واستعمال العبارات الأكثر فحشا وانحطاطا عند تناول الموضوعات الأهلية. وهذه (الثقافة الشعبة)، من جهة أخرى، هي التي كونت نوعا من التضامن الفئوي بينهم ضد الجزائريين، ولولا ذلك لما استطاع أصحاب الأصول الفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية والمالطية أن يجدوا بينهم طريقا إلى التعايش في الجزائر. وقد وجدوا أنفسهم أحيانا يقفون حتى ضد يهود الجزائر الذين اندمجوا فيهم عن طريق التجنس سنة ١٨٧٠. وكانت الصحف الساخرة هي التي لعبت دور التضامن المشار إليه وتكوين الثقافة الشعبية بين الكولون مهما اختلفت أصولهم ولغاتهم ومذاهبهم.


(١) من مظاهر اليقظة الاغتباط والمشاركة في صحيفة (المنتخب) التي سنتحدث عنها والتي ظهرت سنة ١٨٨٢، ومقالة أحمد بن بريهمات سنة ١٨٨٣، حول مرسوم ١٣ فيفري من نفس السنة، في قنان (نصوص سياسية)، ص ١٩٠. وكذلك كتابات المكي بن باديس، ١٨٨٩ وابنه حميدة، والعرائض المقدمة للجنة مجلس الشيوخ سنة ١٨٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>