عنها؟ ربما ثلاث أو أربع سنوات. ومهما كان الأمر فقد وجد الجزائر تتغير وتدخل عهد النهضة الصحفية والثقافية الذي وصفناه في غير هذا المكان، على يد الحاكم العام شارل جونار.
وتشهد آثاره التي ظهرت منذ ١٩٠٩ (عمره حوالي ٢٣ سنة)(١) أن نضجه كان مبكرا وأن موهبته كانت استثنائية، وأنه كان من القلائل الذين رجعوا إلى الجزائر برؤية واضحة عن حالة العالم العربي والإسلامي. وكانت ميوله قومية إسلامية كما يدل موشحه الذي نشره في جريدة (الحاضرة) سنة ١٩٠٩ والذي عارض به موشح ابن سهل، وتساءل فيه (هل أباد اليأس جيش الأمل؟) وفي نظره أن اليأس لم يقع، لأن الحضارة الإسلامية ما تزال بخير إذا استيقظ أهلها وعلماؤها وعرفوا مكانتهم في التاريخ.
ولم يكد يحل بالجزائر حتى وقعت أحداث خطيرة فيها وفي المغرب العربي والعالم الإسلامي. كان التوتر الذي أحدثه الحديث عن فرض التجنيد الإجباري، وكان ابن قدور مؤمنا بالجامعة الإسلامية والروح الوطنية فلم يرضه ذلك وكتب ضده لأن هذا التشريع لو حصل لكان على المسلم الجزائري أن يحارب المسلمين المضادين لفرنسا. كما قامت فرنسا بإبعاد واضطهاد زعماء تونس منذ ١٩٠٨، وشردت عددا منهم. وقد انتصر لهم ابن قدور، رغم معارضته لبعض أفكارهم المستغربة (مثل علي باش حانبة). وكانت فرنسا تحضر لاحتلال المغرب الأقصى الذي وقع فعلا سنة ١٩١٢ وقد وقف ابن قدور ضد ذلك، كما وقف ضد الغزو الإيطالي لليبيا سنة ١٩١١. ومن الأحداث التي هزت أركان العالم الإسلامي عندئذ الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني.
ولذلك أخذ ابن قدور يبحث في البدائل ويصف الهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي. فانتصر أولا للوطنية باعتبارها وسيلة لجمع شمل أي شعب لمواجهة الأخطار الخارجية، لأن الوطنية في نظره هي القوة الفعالة