قسنطينة كانت من المؤسسات العامة، وكانت كتبا، موقوفة على الطلبة والعلماء والدارسين في تلك المؤسسات. فهو يقول إن أغلب الكتب التي اشتراها من الجنود قد جاءت من المدارس والزوايا والمساجد. وكان أغلبها مختوما بختم صالح باي في أوائلها على أساس أنها وقف، ومن ذلك وقف الجامع الكبير. ومع ذلك اعتبر بيربروجر نفسه حامل لواء الرسالة الحضارية للجزائريين بينما كان هو وجيشه يجردونهم من مصادر حضارتهم ويرمون بها في غياهب الجهل والأمية باغتصاب مكتباتهم.
وقد بلغ ما جمعه بيربروجر بالطريق المذكورة، حوالي ألف مخطوط - يقول إنه حوالي ٨٠٠ مخطوط - لكننا نعرف أن كل مجموع يضم عددا من المخطوطات الموضوعة مع بعضها داخل سفر واحد. وكان نقل هذه المخطوطات إلى الجزائر مشكلة بالنسبة إليه. فقد وضعها في صناديق وأعدها لتنقل عن طريق عنابة. فخاطب بذلك الجنرال زيقو، رئيس اللجنة العلمية، فوجده مريضا ولم يهتم بالمخطوطات، ثم خاطب رئيس الحملة (المارشال فاليه؟) فأجابه أنه لا يمكن نقل الكتب لأن حياة البشر أولى من حياة العلم. ويخبرنا بيربروجر أنه جمع من قسنطينة وحدها ثلاثة عشر صندوقا لم يصل منها إلى الجزائر سوى ثمانية فقط، وكانت تضم ٥٠٠ مخطوط. وهكذا ضاع الباقي، ولكنه لم يقل كيف ضاع (١).
وعلق أحد الفرنسيين على عملية نهب المخطوطات من قسنطينة بقوله: إن احتلال هذه المدينة (١٨٣٧) قد أدى إلى لجوء أهلها المتحضرين إلى أهل البداوة في الصحراء. وبذلك قاد الاحتلال إلى تحويل أناس متحضرين إلى همج (باربار). فقد حرم الفرنسيون بغيرتهم العلمية (؟) سكان المدينة (قسنطينة) من آخر ما عندهم من مصادر ثقافية، وهي كتبهم التي كانت ثروة حقيقية للسكان جميعا. إن كتابا واحدا يعتبر ملكا مشاعا لكل العائلة
(١) من تقرير بيربروجر في ٣٠ نوفمبر ١٨٣٧، الأرشيف الفرنسي، رقم ١٧٣٣ - ٨٠ F، يحتوي التقرير على سبع صفحات. وفي أعلاه عبارة (وزارة الحربية، مكتبة الجزائر، تقرير أولي عن مهمة أ. بيربروجر، في قسنطينة).