للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان لعبة في يد جمعية الاتحاد والترقي التي كانت بدورها لعبة في يد الحركة الصهيونية والجمعية الماسونية. وكانت اسطانبول عندئذ تعيش في فوضى، ولذلك لم يرتح فيها ابن عليوة ولم يجد فيها ما كان يتوقعه كعاصمة للخلافة الإسلامية. وكان ابن عليوة من أهل الطرق الذين لهم ارتباطات مع الدولة العثمانية، مثل الشاذلية والمدنية. ولا شك أنه تلقى أمواجا من الدعاية للجامعة الإسلامية وهو ما يزال في الجزائر. وربما كان ذلك وراء قراره بالهجرة، فقد باع أملاكه وعزم على الهجرة، وحل بتونس ثم طرابلس. وكانت هذه ما تزال تحت الحكم العثماني، وكانت الطريقة المدنية نشيطة فيها. وقد روى أنه لقى في طرابلس من عرض عليه الإقامة في إحدى الزوايا. وكان محمد ظافر المدني من المقربين للسلطان العثماني، وربما كانت دوافع ابن عليوة أن يزور هذا الشيخ الذي يرتبط به في الطريقة (الدرقاوية - المدنية - الشاذلية).

ركب ابن عليوة البحر وحده من طرابلس إلى الآستانة (اسطانبول)، وحين وصل إليها أحس بالغربة لاختلاف اللغة أولا ثم لظروف الانقلاب ثانيا. وقد تعرف فيها فجأة على أحد فقهاء الجزائر (لم يسمه) فحياه بالعربية وآنسه واستعان به ابن عليوة على حوائجه. وسجل ابن عليوة بعض الملاحظات والمشاهدات في هذه الزيارة. فحكم بانحراف الشباب التركي (تركيا الفتاة) وتأسف على سقوط السلطان عبد الحميد، وتفطن لدسائس الأجانب، فرجع إلى الجزائر متحسرا، ورأى أن (جمود) الجزائريين على عقيدتهم خير من (الإباحية) التي وصلها الأتراك في عهد مصطفى كمال (أتاتورك) (١). ومهما كان الأمر فإن زيارة ابن عليوة لاسطانبول كانت له درسا في السياسة والتصوف. فبدلا من أن يبقى في الشرق مهاجرا كما كان ينوي


(١) مارتن لانغز (الشيخ أحمد العلوي)، بيروت ١٩٧٣، ص ٧٥. رغم أنه زار اسطانبول في التاريخ الذي ذكرناه غير أنه سجل حديثه عنها في عهد أتاتورك، أي بعد الحرب العالمية الأولى. أما السلطان عبد الحميد فقد خلع في ٢٨ أبريل سنة ١٩٠٩ وعوض بأخيه محمد الخامس.

<<  <  ج: ص:  >  >>