للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمهدي، ولجأ خير الدين التونسي إلى اسطانبول، وطرد الأفغاني من مصر، ونفي محمد عبده إلى بيروت، وقبل السلطان عبد الحميد الثاني مؤقتا بالدستور والبرلمان. وكانت إيران تهتز بالمؤامرات رغم حكم ناصرالدين شاه الاستبدادي. إنها مرحلة من أكبر مراحل التاريخ العربي والإسلامي سلبية.

ولعل تظاهر الأمير بالإغراق في التصوف لم يكن إلا جزءا من الخطة التي رسمها لنفسه لمواجهة الضغوط عليه، فبالإضافة إلى أنه عدل عن التوجه إلى فرنسا والزيارات الأخرى، حتى إلى الحجاز، نجده قد اعتكف على الزهد والصلاة وقراءة كتب التصوف بل وممارسته والتأليف فيه. وفي الجزء المخصص للانتاج من هذا الكتاب ستتناول مؤلفاته في التصوف وغيره.

وقبل أن نتحدث عن إخوته وأبنائه نذكر أن الفرنسيين قد أثاروا موضوع نقل رفات الأمير سنة ١٩٣٨، ونقل رفات حفيده، الأمير خالد، إلى الجزائر (معسكر). ولعل الحكومة الفرنسية قد أثارت هذا الموضوع لتجنيد الرأي العام الجزائري من حولها عندما كانت تبحث عن الأنصار أمام خطر الحرب العالمية. ولكن الجزائريين فهموا أهداف الخطة وأظهروا اللامبالاة والسخرية إزاء ذلك. واستغربت (البصائر) عندئذ من كون الحكومة الفرنسية، التي حكمت بالنفي على الأمير عبد القادر وحفيده، أصبحت تفكر في إرجاع رفاتهما. وقد أوحت الجهات الفرنسية إلى بعض الصحف المشرقية بأن تكتب أن الجزائريين هم الذين كانوا يلحون على إعادة رفات الأميرين (الجد والحفيد)، وأنهم أخذوا في جمع المال لذلك الغرض. ومما كتبته البصائر في هذا الشأن (ولعل المكتوب من قلم الشيخ المبارك الميلي نفسه، وقد كان رئيس التحرير عندئذ) أن (الأراضي الإسلامية كلها وطنا عاما للمسلمين أحيائهم وأمواتهم، فلا وجه لنقل رفات مسلم من بلد إلى بلد إلا لغرض مقبول). ومن رأى الكاتب - دون أن يتقيد بالنقل لذاته - أن (يكون ضريح الأمير وحفيده بين من يعرف فضلهما ويحسن الاستمداد من حياتهما لحياة الإسلام والعروبة) (١).


(١) البصائر، ٩ ديسمبر، ١٩٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>