هي التقاليد العربية إذ يحل الأخ الأكبر محل الأب. وقد تقف على والده الشيخ محيي الدين وعلماء زاوية القيطنة قبل الاحتلال. وكان يميل بطبعه إلى التصوف، ولكنه جاهد مع أخيه وحضر وقائع عديدة معه. ثم سجنه الفرنسيون في عنابة حيث بقي سنوات، قبل السماح له بالهجرة إلى دمشق التي استقر فيها، وأصبح من المدرسين بها، كما جلس محمد السعيد لإعطاء ورد الطريقة القادرية، وقد توفي سنة ١٢٧٨، ودفن بجبل قاسيون. وترك ولدين هما محمد المرتضى وعبد الباقي. كما ترك بعض المؤلفات (١).
أحد أبناء محمد السعيد أصبح هو الوارث لبركة والده وجده في الطريقة القادرية أيضا، وهو محمد المرتضى. وكان هذا من مواليد القيطنة سنة ١٢٤٥ - ١٨٢٩. وعاش طفولته ومراهقته في الحرب والمقاومة، في معسكر والزمالة والدائرة، لا يستقر له قرار مع فتيان الجزائر عندئذ. وخلال ذلك تلقى العلم وحفظ القرآن على والده وغيره. وكان محمد المرتضى من الشباب المجندين في آخر عهد المقاومة. وحضر مع عمه الأمير عبد القادر عدة معارك. ونشأ على حب الوطن والغيرة على الدين وكره العدو. وحين انتقلت العائلة إلى دمشق كان قد قارب العشرين سنة. فاستكمل تعلمه على الجزائريين والسوريين. ومن شيوخه عمه الأمير نفسه، ومصطفى بن التهامي، وسليم العطار.
ورغم المغريات بالوظائف فإنه ظل كوالده وجده ميالا إلى العلم والتصوف. وكلفه عمه الأمير، بالسفر إلى اسطانبول في مهمة سنة ١٢٧٣ لا ندري ما هي الآن. وفي سنة ١٢٨١ حج مع الأمير، وهو الحج الذي أخذهم إلى مصر والحجاز ولا ندري هل جاور مثله فلم يرجع إلا بعد مدة أو رجع بعد الحج مباشرة. ومهما كان الأمر فإن محمد المرتضى قد زار بغداد أيضا ربما للتبرك بضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني. ثم استقر ببيروت منذ حوالي
(١) منتخبات تاريخ دمشق، ٢/ ٦٩٦. يقول هذا المصدر أن لدى بنات الشيخ محمد السعيد برنسا ممزقا بالرصاص من أيام الجهاد في الجزائر.