وتواصلت المراسلة بين الشيخ عبده وابن سماية بعد الزيارة أضا. فمن جزيرة صقلية كتب الشيخ عبده إلى تلميذه ابن سماية رسالة تعتبر من رسائل البيان بين الإخوان. فقد مدحه بالفضل والعلم والأدب والأخلاق، وتنبأ له بأنه سيكون إمام قومه في الهداية إلى سبيل الرشاد. وحثه على الاستعداد لهذه المهمة (بالاستمرار في مزاولة كلام البلغاء من أهل اللسان العربي) ومواصلة ما بدأ به من اللغة الفرنسية، ودراسة أخلاق الناس، والتعمق في تاريخ الأمة الإسلامية، والتطور الديني وعلل ذلك وأسبابه. وأوصاه بالاستعانة وبإخوانه ابن الخوجة ومفتي الحنفية (بوقندورة)، وحذره من (النظر في سياسة الحكومة أو غيرها من الحكومات ومن الكلام في ذلك. فان هذا الموضوع كبير الخطر قريب الضرر). وفي نظر الشيخ عبده أن الناس محتاجون إلى العلم والإخلاص في العمل.
وكانت هذه الرسالة درسا آخر له ولغيره في موقف العلماء من الحكام. إذ أن الشيخ عبده أصبح الآن خارج الجزائر، وكان بإمكانه أن يكتب ما لم يكن يستطيع قوله وهو فيها. ولكنه ظل متمسكا بمبدئه، وهو أن الناس في حاجة إلى أن (يعيشوا في سلام وراحة مع من يجاورهم (الفرنسيين؟) من الأمم الأخرى، ولا يتعلقوا من الوهم بحبال تنقطع في أيديهم متى جذبوها، فيسقطوا ... فيما لا منجاة منه) (١). ونكاد نجزم أن الشيخ عبده هنا يعني
(١) تاريخ الأستاذ الإمام، ٢/ ٦١٧ - ٦١٨، والرسالة مكتوبة في بليرم ٣٠ جمادي الآخرة سنة ١٣٢١. ويفهم من تقديم هذه الرسالة أن رشيد رضا متأكد أن الشيخ عبده قد زار الجزائر وتونس وأنه كان في صقلية عائدا إلى مصر. عن زيارتي الشيخ عبده لتونس انظر المنصف الشنوفي (زيارتا الشيخ محمد عبده لتونس) في الكراسات التونسية، ١٢ (١٩٦٨)، ص ٥٧ - ٩٧، بالفرنسية. وبناء على هذه الدراسة فان الشيخ عبده قد زار تونس بعد الجزائر، وأنه ذهب إليها بالقطار، وظل فيها إلى ٢٤ سبتمبر ١٩٠٣. ومن تونس ذهب الشيخ إلى لندن عبر مالطة ونابلي، ولا تذكر المصادر من كان معه من المرافقين.