بدرس اللغة العربية قد نشر أول كتاب في النحو العربي تنشره المطبعة الرسمية، يوليو، ١٨٣٢، وهو باللهجة العامية الجزائرية التي لا ندري كيف تعلمها في ذلك الظرف القصير. وقد أحرز الكتاب على نجاح لدى المهتمين. والتف حول جوني فرعون الضباط الفرنسيون الأوائل الذين سيشرفون على المكاتب العربية والإدارة الفرنسية في الجزائر، أمثال: لامورسيير، وبيليسييه دي رينو، ودوماس، وماري.
هذه الخبرة والسمعة جعلت دي بوسي يتبنى درس فرعون بالعربية في ديسمبر ١٨٣٢. وهو الدرس الموجه للفرنسيين، كما قلنا. وهكذا يكون تعليم العربية للأوروبيين في الجزائر قد بدأ على يد مصري - سوري - فرنسي، وهو جوني فرعون. ولم يكن غرض الفرنسيين تعليم الفصحى ولا المحافظة على العربية المكتوبة أو تثقيف أهلها، وإنما كان التعرف على الجزائريين بوسيلة الاتصال الوحيدة بهم وهي العربية الدارجة، ثم العمل على نشر الفرنسية بينهم بالمؤثرات الأخرى غير التعليم. وقد عبرت عن ذلك صراحة رسالة الدوق دي روفيقو إلى وزير الحربية الفرنسي. فقد جاء فيها: إن الجزائر لن تكون حقا فرنسية إلا إذا أصبحت فيها اللغة الفرنسية هي اللغة السائدة (١)، وأصبحت الفنون والعلوم التي عرفتها فرنسا وشرفت بها، معروفة في الجزائر أيضا، وقضي على الجهل والتعصب اللذين كبلا العقل العربي فلم يظهر كل مواهبه. إن الهدف الأسمى من كل المحاولات التي تقوم بها الإدارة في التعليم هو (إحلال الفرنسية محل العربية، باعتبار اللغة الفرنسية هي لغة السلطة ولغة الإدارة. ومن ثمة فستنتشر اللغة الفرنسية
(١) يتبين من ذلك خطأ من اعتقد أن الفرنسيين كانوا (مترددين) بين الاحتفاظ بالجزائر والتخلي عنها إلى سنة (١٨٣٤). ذلك أن تصرفات وتصريحات كلوزيل ١٨٣٠ - ١٨٣١ والدوق دي روفيقو ١٨٣٢ - ١٨٣٣ لا تترك مجالا للشك و (التردد) حول عزم الفرنسيين على (فرنسة) الجزائر منذ الوهلة الأولى. أما لجنة التحقيق التي أصدرت قرارها سنة ١٨٣٤ بالاحتفاظ بالجزائر، فلم تزد على تأكيد حقيقة موجودة.