قواعد وكتبا وتمارين. وأخذ هذا التقسيم اللغوي يتوسع ليشمل التقسيم العرقي والسياسي، فكان في المجلس النيابي المعروف (بالوفود المالية) أيضا قسمان، قسم عربي وقسم قبائلي، بينما القسم الفرنسي في المجلس نفسه كان واحدا رغم اختلاف الفرنسيين بين مسيحيين ويهود، ومن هو من أصل فرنسي ومن هو متجنس من أصل مالطي أو إسباني أو إيطالي، ومن ثمة قلنا ان الاستشراق كان يخدم الادارة الاستعمارية، وكانت هذه تخدم الاستشراق أيضا.
أما اللغة العربية فعاميتها قد تكفل بها هوداس منذ البداية ١٨٨٠ ثم أخذ مكانه باصيه، كما سبق. وظلت العربية تدرس من خلال لهجاتها أيضا. وظهر الاهتمام بهذه اللهجات بشكل ملفت للنظر. فقد درسوا لهجة كل مدينة وكل جهة تقريبا، تلمسان، ندرومة، بسكرة، جيجل، والعاصمة، الخ. فكانت عبارة (لوبارلي أراب) أي الدارجة أو العامية، على كل قلم استشراقي عندئذ. وقد اتبعهم في ذلك بعض الجزائريين غفلة منهم ربما، فأخذوا يقدمون المادة لهؤلاء المستشرقين، ومنهم ابن أبي شنب وأبو بكر عبد السلام بن القاضي شعيب التلمساني، وابن علي فخار التلمساني أيضا، ومحمد صوالح، الخ. كما قام هؤلاء الجزائريون بتأليف قواميس عربية - فرنسية عن لهجة قبيلتهم أو جهتهم. ويقصدون هنا العربية الدارجة. ولعلهم كانوا ينظرون إلى الموضوع نظرة جارية أيضا لأن هذه القواميس المدرسية كانت من وسائل توفير المال، لأن النشر الأدبي أو البحوث العلمية المستقلة لا توفر ذلك. وكانت هذه المؤلفات بالإضافة إلى العامية تكتب أيضا من اليسار إلى اليمين. ومهما كان الأمر فإن أولئك المثقفين الجزائريين عندئذ لم يتفطنوا ربما إلى مخططات الاستشراق السياسية والحضارية فساروا في ركابه. وقد أضاف ابن أبي شنب عملا مهما في حد ذاته، لو لم يكن في نطاق هذه المدرسة الاستعمارية، وهو دراسة بقايا اللغتين الفارسية والتركية في مدينة الجزائر (١). وفي هذا النطاق نذكر أيضا دراسات ونصوص
(١) كثر الحديث عندئذ عن تجديد المناهج لتعليم العربية، وشارك في ذلك بعض يهود الجزائر الفرنسيين، لأن دراسة العامية أصبحت أيضا تجارة رابحة، وهكذا أصدر =