وعلى ذلك أسس ليوطي (الأرشيف البربري) لمنافسة الأرشيف المغربي، وأسس أيضا معهد الدراسات البربرية بدل البعثة المغربية، ولكن الحكومة
الفرنسية تدخلت ونسقت بين جهودهما فتكاملت، وتعاونا على بسط النفوذ الفرنسي في المغرب وفي العالم الاسلامي (١).
١١ - شارل فيرو: لم يكن فيرو مستشرقا بالمصطلح المعروف، ولكنه خدم ميدان الاستشراق بالترجمة ونشر النصوص وتوليه رئاسة الجمعية التاريخية. فكان من المستعربين القلائل الذين اتصلوا بالمجتمع الجزائري ودرسوا تراثه، ولكنهم وجهوا نتائج أبحاثهم إلى خدمة الاستعمار الفرنسي إلى أقصى الحدود. لقد كان فيرو من العسكريين الذين استعملوا القلم أكثر من البندقية والفكر أكثر من الحرب، فكانت نتائج عمله أخطر على الشعب الجزائري من نتائج زملائه العسكريين.
اسمه لوران شارل فيرو، ولد في نيس في الخامس من فبراير ١٨٢٩، وقد جاء الجزائر صغير السن، وتوظف وهو لم يتجاوز السادسة عشر (!)، وعندما بلغ التاسعة عشر كان كاتبا في العاصمة بالإدارة المدنية (الحكومة العامة) ومترجما بها، ثم أصبح مترجما احتياطيا عسكريا من الطبقة الثانية، وميدان الترجمة هو الذي قضى فيه كل حياته تقريبا. ولا ندري أين تعلم العربية، وربما كان ذلك على يد لويس برينييه الذي كان رئيسا لحلقة اللغة العربية في العاصمة. وقضى فيرو عشرين سنة من حياته وهو يشارك في الحملات العسكرية باتجاه قسنطينة (إقليم الشرق). وشارك في الحملة ضد محمد الأمجد (بوبغلة) بنواحي بجاية سنة ١٨٥٢، وكذلك في الحملات ضد البابور وبجاية وذراع الأربعاء وبرباشة. وأثناء الحملة الأخيرة كان قد اندس ليلا في كوكبة من خيالة جزائريين، كان هدفها خطف مبعوث بوبغلة الذي كان يبث الدعاية لإثارة
(١) انظر ادمون بورك (الأزمة الأولى للاستشراق) في (معرفة المغرب)، مرجع سابق، ص ٢٢٣.