وإشراف العسكريين الذين كانوا في الميدان، وكانوا هم الذين يمدونها بالملاحظات ويكتبون في مجلاتها. ومن جهة أخرى اهتمت الجمعيات بالآثار الرومانية والمسيحية وأهملت تقريبا ما عداها سيما الحضارة العربية الاسلامية وآثارها. ومع ذلك فنحن نؤكد أن ما نشرته هذه الجمعيات في مجلاتها يعتبر ثروة كبيرة للبحث والمعرفة بصفة عامة. ونحن نجد بعض الجزائريين الأعضاء في الجمعيات المذكورة كانوا يقدمون نتائج بحوثهم أيضا إلى العلماء الفرنسيين خدمة للاستعمار.
وقبل أن تظهر هذه الجمعيات ظهرت في فرنسا جمعيات خصصت اهتماما كبيرا للاحتلال الفرنسي في الجزائر، ومن ذلك الجمعية الآسيوية والجمعية الشرقية والجمعية الجغرافية. فكل جمعية من هذه الجمعيات أصدرت مجلة وفتحت أعمدتها لكتاب فرنسيين حلوا بالجزائر أو جعلوا همهم الربط بين ما يجري فيها وما يجري في العالم الاسلامي على العموم. وكانت حركة الاستشراق الفرنسي يومئذ آخذة في النمو. فصادف احتلال الجزائر اهتماما خاصا بشؤون الشرق والإسلام.
لقد سبق القول إن الجمعية الآسيوية قد تأسست في باريس سنة ١٨٢٢، وان رئيسها كان دي ساسي المتوفي سنة ١٨٣٨ (١). وقد شارك في المجلة الآسيوية عدد غير قليل من المستشرقين الفرنسيين الذين استقروا بالجزائر، منهم بنجامين فانسان، وشيربونو. أما الجمعية الشرقية فقد تأسست في باريس سنة ١٨٤١، وأصدرت (مجلة الشرق). وجاء في قانونها الأساسي انها تنسق بين أعضاء (المعهد) الفرنسي والقناصل والرحالة، وأنها تهتم بكل ما يهم حاضر ومستقبل بلدان الشرق. وتقول الفقرة القانونية صراحة (يجب أن نبذل جهدنا للهيمنة عليها (أي بلدان الشرق) لصالح الحضارة - وكذلك الجزائر -. هذه الأرض الافريقية الواسعة التي كانت من قبل متوحشة (باربار Barbare) ومتمردة. وها هي اليوم تفتخر بقوانيننا وفنوننا وعاداتنا وصناعتنا،